ثم توجه إبراهيم عليه الصلاة والسلام خارجا على دابته ، فتبعته هاجر حتى وافى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بكداء ، فقالت له هاجر : إلى من تركتنا؟ قال : إلى الله عزوجل ، فقالت : رضيت بالله.
وفي رواية : قالت له : إلى أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ وقالت له ذلك مرارا فلم يلتفت إليها. فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم. فقالت : إذا لا يضيعنا الله ، ثم رجعت تحمل ابنها ، فانطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم رفع يديه وقال : اللهم (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ...) ـ إلى قوله ـ : (يَشْكُرُونَ) [إبراهيم : ٣٧] ، وجعلت هاجر ترضع ولدها حتى فني ماء [شنّتها](١) فانقطع درّها ، فجاع ابنها فاشتد جوعه ، حتى نظرت إليه أمه يتشحط (٢) ، فخشيت أمه [أن](٣) يموت عليه الصلاة والسلام ، فقالت أمه : لو تغيبت [عنه](٤) حتى يموت ولا أدري بموته ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا وقالت : لو مشيت بين هذين الجبلين تعللت حتى يموت الصبي ولا أراه ، [فمشت](٥) بينهما حتى إذا وصلت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، فقامت عليها فنظرت فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات.
__________________
(١) في الأصل : شنها.
(٢) يتشحط : يتخبط ويضطرب ويتمرغ (اللسان ، مادة شحط).
(٣) في الأصل : أنه. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٣).
(٤) في الأصل : فيه.
(٥) في الأصل : فمشيت.