القوم تخوّف على نفسه وأصحابه. قال لأصحابه : ماذا ترون؟ قالوا : ما رأينا إلا [تبع لرأيك](١) فمرنا بما شئت. قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه لما به الآن من القوة ، فكلما مات رجل دفعه صاحبه في حفرته ثم واراه ، حتى يكون آخركم رجل ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا. قالوا : نعم ما أمرت به. فقام كل رجل منهم يحفر حفرة ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ، ثم قال عبد المطلب لأصحابه : إنا ألقينا بأيدينا للموت لعجز ، ألا نضرب في الأرض ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، وارتحلوا حتى إذا فرغوا من معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون ، فتقدم عبد المطلب لراحلته فركب ، فانبعث ـ أي : انفجر ـ الماء من تحت خفّ الناقة ماء عذب ، فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ، ثم نزلوا وشربوا واستقوا وملؤوا قربهم ، ثم دعا القبائل التي كانت معهم من قريش فقال : هلموا إلى الماء ، فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا ، فشربوا واستقوا فقالت القبائل التي نازعته : قد والله قضى الله لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، الذي سقاك هذا في الفلاة هو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا ، فرجع ورجعوا ولم يمضوا إلى الكاهنة ، وخلّو بينه وبين زمزم.
قال ابن إسحاق (٢) : هذا الذي بلغني من حديث عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه.
فلما رجع ورجعوا فحفر ، فلما تمادى به ـ أي : الحفر ـ وجد غزالتين من ذهب ، وهما الغزالتان اللتان دفنتهما جرهم فيها حين خرجت من
__________________
(١) في الأصل : نتبع رأيك. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٤) ، والأزرقي (٢ / ٤٥).
(٢) السيرة النبوية لابن إسحاق (١ / ٢ ـ ٥).