مكة ، ووجد فيها أسيافا وأدرعا ، فقالت له قريش : يا عبد المطلب ، لنا معك في هذا [شركا](١) ، قال : لا ، ولكن هلموا إلى أمر ينصف بيني وبينكم ، نضرب عليها بالأقداح ، قالوا : وكيف نصنع؟ قال : نجعل للكعبة قدحين ، ولي قدحين ، ولكم قدحين ، فمن خرج قدحاه على شيء كان له ، ومن تخلّف قدحاه فلا شيء له. قالوا : أنصفت ، فجعل قدحين أصفرين للكعبة ، وقدحين أسودين لعبد المطلب ، وقدحين أبيضين لقريش ، ثم أعطوا الأقداح للذي يضرب بها عند هبل ، وقام عبد المطلب يدعو الله عزوجل ، وضرب صاحب الأقداح فخرج الأصفران (٢) على الغزالتين ، وخرج الأسودان (٣) على الأسياف ، والدروع لعبد المطلب ، وتخلفت أقداح قريش ، فضرب عبد المطلب الأسياف بباب الكعبة ، وضرب في الباب الغزالتين ، فكان أول حلية حلّيت [به](٤) الكعبة. ذكره الحلبي (٥).
وحفر عبد المطلب ثلاثة أيام حتى انبط الماء في القرار ثم نحرها حتى لا تنزف ، ثم بنى عليها حوضا فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن الحوض فيشرب منه الحاج ، فيكسره ناس من حسدة قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح ، فلما أكثروا فساده دعى عبد المطلب ربه ، فأري في المنام فقال : قل : اللهم لا أحلّها لغسل ، ولكن هي للشارب حلّ وبلّ ، ثم كفيتهم ، فقام عبد المطلب فنادى بالذي رأى في المنام ، ثم انصرف ، فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا
__________________
(١) في الأصل : أشركنا. والتصويب من البحر العميق (٣ / ٢٧٥).
(٢) في الأصل : الأصفرين.
(٣) في الأصل : الأسودين.
(٤) قوله : به ، زيادة على الأصل.
(٥) السيرة الحلبية (١ / ٥٥).