فعمّ الحريق الجانب الغربي ، واستمرت النار تأكل السقف وتسير ولا يمكن الناس إطفاءها لعدم الوصول إليها بوجه ما إلى أن وصل الحريق إلى الجانب الشامي ، واستمر يأكل من الجانب الشامي إلى أن انتهى إلى باب العجلة. قلت : اسمه الآن باب الباسطية. وسيأتي ذكره إن شاء الله في ذكر الأبواب.
وكانت هناك أسطوانتان هدمهما السيل الذي دخل المسجد الحرام في اليوم الثاني (١) من جماد الأول هذا العام ـ يعني : عام الحريق ـ وخرب [عمودين](٢) من أعمدة الحرم عند باب العجلة وما عليها من العقود والسقوف ، فكان ذلك سببا لوقوف الحريق وعدم تجاوزه من ذلك المكان وإلا لعمّ الحريق جميعه من الجوانب الأربع فاقتصر الحريق إلى باب العجلة.
وسلّم الله باقي الحرم ، كما قال بعضهم :
فكم لله من لطف خفي |
|
يدق خفاه عن فهم الذكي |
فصار ما احترق من المسجد الحرام أكواما عظاما يمنع من رؤية البيت ومن الصلاة في ذلك الجانب من المسجد.
قال ابن فهد (٣) : وتحدّث أهل المعرفة أن هذا منذر بحادث عظيم يقع في الناس ، فكان ذلك مقدم وقعت المحن العظيمة بمقدم تمرلنك إلى بلاد الشام وبلاد الروم ، وسفك دماء المسلمين ، وسبي ذراريهم ، ونهب أموالهم ، وإحراق مساكنهم ، كما هو مذكور في التواريخ.
قال الحافظ السخاوي في ذيله على دول الإسلام للذهبي (٤) : وفي آخر
__________________
(١) في الإعلام : الثامن.
(٢) في الأصل : عامودين.
(٣) إتحاف الورى (٣ / ٤٢١). وانظر : (شفاء الغرام ١ / ٤٢٤).
(٤) الذيل التام على دول الإسلام (١ / ٤٠٧). وانظر : (إنباء الغمر ٤ / ١٣٣ ، وشذرات