ومذهب الحنفية : أن الحربي إذا التجأ إلى الحرم لا يباح قتله في الحرم ، ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يشارى حتى يخرج من الحرم ، وأنه إذا دخل مكابرة يقتل ، أو مقاتلا يقتل. قالوا : وكذا لو دخل قوم من أهل الحرب للقتال فإنهم يقاتلون ، ولو انهزموا من المسلمين لا شيء على المسلمين في قتالهم وأسرهم.
ومذهب الشافعي ، قال الماوردي في الأحكام السلطانية (١) : إن أهل الحرم إذا بغوا على أهل العدل ، فقال بعض الفقهاء : يحرم قتالهم بل يضيق عليهم. وجمهور الفقهاء : يقاتلون على بغيهم إذا لم يرتدوا عن البغي إلا بالقتال (٢) ؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز إضاعتها ، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها. وهذا الذي نقله الماوردي عن الجمهور ، ونص عليه الشافعي في موضعين من الأمر.
وقال القفال في شرح التلخيص : لا يجوز القتال بمكة ، وأنه لو تحصنّ جماعة من الكفار فيها لم يجز قتالهم. وضعّفه النووي ، وأجاب عن الأحاديث الواردة في تحريم القتال بمكة بأن تحريم نصب القتال عليهم بما يعم ، كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدونه ، بخلاف ما [إذا](٣) تحصّن كفار بغيرها ، فإنه يجوز قتالهم بأيّ وجه. وقال : إن الشافعي نص على هذا التأويل.
واعلم أن الحرم في مذهب مالك والشافعي والجمهور لا يعيذ عاصيا ولا فارا بخربة ولا بسرقة ، وكذلك الذين يدخلون في مقامات الأولياء
__________________
(١) الأحكام السلطانية (ص : ٢٨٩).
(٢) وهذا الذي عليه أبو يعلى في أحكامه (ص : ١٩٣).
(٣) في الأصل : إذ.