السرايا المذكور من قزّ رقيق ، أحدها صفراء والأخرى بيضاء ، ثم عمد الأفطس إلى خزانة الكعبة وأخذ ما فيها من الأموال فقسمها مع كسوة الكعبة على أصحابه ، وهرب الناس من مكة ؛ لأنه كان يأخذ أموال الناس ويزعم أنها ودائع بني العباس عندهم ، ولم يزل كذلك على ظلمه إلى أن بلغه قتل مرسله أبي السرايا.
فلما علم ذلك ورأى الناس تغيروا عليه في فعله معهم واستباحته أموالهم ، فجاء هو وأصحابه إلى محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين (١) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسني الملقب بالديباجة (٢) ؛ لجمال وجهه ، وسألوا في المبايعة له بالخلافة ، فكره محمد ذلك ، فاستعان الأفطس بابنه علي ، ولم يزالوا به حتى بايعوه بالخلافة ، وذلك في ربيع الأول سنة مائتين ، وجمعوا الناس على بيعة محمد بن جعفر طوعا وكرها ، ولقبوه بأمير المؤمنين ، وبقي شهورا وليس له من الأمر شيء وإنما ذلك لابنه علي وللأفطس ، وهما على أقبح سيرة مع الناس ، فلم يكن إلا مدة يسيرة إذ جاء عسكر المأمون فيهم الجلودي ، وورقاء بن جميل ، وقد انضم إلى محمد بن جعفر غوغاء أهل مكة وسواد البادية ، فالتقى الفريقان وانهزم محمد وأصحابه ، وطلب الديباجة من الجلودي الأمان ، فأجّلوه ثلاثة ، ثم خرج من مكة ودخل الجلودي بعسكره إلى مكة سنة مائتين وذلك في جمادى الآخر ، وتوجه الديباجة إلى جهة بلاد جهينة (٣)
__________________
(١) في الأصل زيادة : بن. وانظر مصادر ترجمته.
(٢) انظر ترجمته في : شفاء الغرام (٢ / ٣١١) ، وغاية المرام (١ / ٣٩٣) ، والعقد الثمين (٢ / ١٣٧) ، وتاريخ بغداد (٢ / ١١٣ ـ ١١٥) ، والعبر (١ / ٣٤٢) ، وتاريخ ابن خلدون (٣ / ٢٤٤) ، وشذرات الذهب (٢ / ٧) ، وسير أعلام النبلاء (١٠ / ١٠٤).
(٣) جهينة : بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة ، فهم حي