حتى أدار عوضا من الشوك حائطا كالسور وعمل فيه طاقات كثيرة سدّها بالشوك ثم سأل الملك أن يأذن له أن يبني في جانب حائطه حصنا يأمن به غائلة العدوّ الذي يطرق بلاده ، فأذن له في ذلك ، فبنى البرج المعروف ببرج الملك وبنى البيعة على رأس التلّ وكتب اسم الملك على أبنيته ، ووشى به قوم إلى الملك قسطنطين وزعموا أنه فعل ما فعل للعصيان ، فسيّر الملك رجلا وقال له : انظر فإن كان بناؤه بيعة وكتب اسمي على ما بناه فدعه بحاله وإلّا فانقض جميع ما بناه وعد ، فلما رأى اسم الملك على السور رجع وأخبر قسطنطين بذلك فأقره على بنائه وأعجبه ما صنع من كتابة اسم الملك على ما جدّده وأنفذ إلى جميع من في تلك الديار من عماله بمساعدة مرّوثا على بناء مدينة بحيث بنى حائطه وأطلق يده في الأموال فعمرها وجعل في كل طاقة من تلك الطيقان التي ذكرنا أنه سدّها بالشوك عظام رجل من شهداء النصارى الذين قدم بهم من عند سابور فسميت المدينة مدورصالا ، ومعناه بالعربية مدينة الشهداء ، فعرّبت على تطاول الأيام حتى صارت ميّافارقين ، هكذا ذكروه وإن كان بين اللفظتين تباين وتباعد ، وحصّنها مروثا وأحكمها ، فيقال إنها إلى وقتنا هذا وهو سنة ٦٢٠ لم تؤخذ عنوة قط ، وآمد بالقرب منها وهي أحصن منها وأحسن قد أخذت بالسيف مرارا ، قالوا : وأمر الملك قسطنطين وزراءه الثلاثة فبنى كل واحد منهم برجا من أبرجتها فبنى أحدهم برج الرومية والبيعة بالعقبة ، وبنى الآخر برج الراوية المعروف الآن ببرج علي بن وهب وبيعة كانت تحت التلّ وهي الآن خراب وأثرها باق مقابل حمّام النجارين ، وبنى الثالث برج باب الربضّ والبيعة المدورة وكتب على أبراجها اسم الملك وأمه هيلانة وجعل لها ثمانية أبواب ، منها : باب أرزن ويعرف بباب الخنازير ثم تسير شرقا إلى باب قلونج وهو بين برج الطبّالين وبين برج المرآة ومكتوب عليه اسم الملك وأمه ، وإنما سمي برج المرآة لأنه كان عليه بين البرجين مرآة عظيمة يشرق نورها إذا طلعت الشمس على ما حولها من الجبال وأثرها باق إلى الآن وبعض الضباب الحديد باق إلى الآن ، ثم عمل بعد ذلك باب الشهوة وهو من برج الملك ثم تسير من جانب الشمال إلى أن تصل إلى البرج الذي فيه الموسوم بشاهد الحمّى ، وهناك باب آخر وهو من الربض إلى المدينة ومقابل أرزن القبلي نصبا ، ثم تسير إلى الجانب الشمالي وكان هناك باب الربض بين البرجين ، ثم تنزل في الغرب إلى القبلة وهناك باب يسمى باب الفرح والغم لصورتين هناك منقوشتين على الحجارة ، فصورة الفرح رجل يلعب بيديه وصورة الغمّ رجل قائم على رأسه صخرة جماد ، فلذلك لا يبيت أحد في ميافارقين مغموما إلا النادر ، والآن يسمى هذا الباب باب القصر العتيق الذي بناه بنو حمدان ، ثم تسير إلى نحو القبلة إلى أسفل العقبة وهناك باب عند مخرج الماء ، وفي جانب القبلي في السور الكبير باب فتحه سيف الدولة من القصر العتيق وسماه باب الميدان وكان يخرج في الفصيل إلى باب الفرح والغم وليس مقابله في الفصيل باب ، وفي برج علي بن وهب في الركن الغربي القبلي في أعلاه صليب منقور كبير يقال إنه مقابل البيت المقدس وعلى بيعة قمامة في البيت المقدس صليب مثل هذا مقابله ، ويقال إن صانعهما واحد ، وقيل إنه كان مدة عمارتها حتى كملت ثماني عشرة سنة ، فإن صح هذا فهو إحدى العجائب لأن مثل تلك العمارة لا يمكن استتمام مثلها إلا في أضعاف هذه السنين ، وقيل إنه ابتدئ بعمارتها بعد المسيح بثلاثمائة سنة وكان ذلك لستمائة