السدانة برمكا ، وكانت ملوك الهند والصين وكابل شاه وغيرهم من الملوك تدين بذلك الدين وتحج إلى هذا البيت ، وكانت سنّتهم إذا هم وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ويقبّلوا يد برمك ، وجعلوا للبرمك ما حول النوبهار من الأرضين سبعة فراسخ في مثلها ، وجميع أهل ذلك الرستاق عبيد له يحكم فيهم بما يريد ، وصيروا للبيت وقوفا كثيرة وضياعا عظيمة سوى ما يحمل إليه من الهدايا التي تتجاوز الحدّ ، وكل ذلك يصل إلى برمك الذي يكون عليه ، فلم يزل يليه برمك بعد برمك إلى أن افتتحت خراسان في أيام عثمان بن عفّان وانتهت السدانة إلى برمك أبي خالد بن برمك فسار إلى عثمان مع رهائن كانوا ضمنوا مالا عن البلد ، ثم إنه رغب في الإسلام فأسلم وسمي عبد الله ورجع إلى أهله وولده وبلده ، فأنكروا إسلامه وجعلوا بعض ولده مكانه برمكا ، فكتب إليه نيزك طرخان أحد الملوك يعظم ما أتاه من الإسلام ويدعوه إلى الرجوع إلى دين آبائه ، فأجابه برمك : إني إنما دخلت في هذا الدين اختيارا له وعلما بفضله من غير رهبة ولم أكن لأرجع إلى دين بادي العوار مهتك الأستار ، فغضب نيزك وزحف إلى برمك في جمع كثير ، فكتب إليه برمك : قد عرفت حبي للسلامة وإني قد استنجدت الملوك فأنجدوني فاصرف عني أعنّة خيلك وإلا حملتني على لقائك! فانصرف عنه ثم استغرّه وبيّته فقتله وعشرة بنين له فلم يبق له سوى طفل وهو برمك أبو خالد فإن أمه هربت به وكان صغيرا إلى بلاد القشمير من بلاد الهند فنشأ هناك وتعلم علم الطبّ والنجوم وأنواعا من الحكمة وهو على دين آبائه ، ثم إن أهل بلده أصابهم طاعون ووباء فتشاءموا بمفارقة دينهم ودخولهم في الإسلام ، فكتبوا إلى برمك حتى قدم عليهم فأجلسوه في مكان آبائه وتولى النوبهار ، ثم تزوّج برمك بنت ملك الصغانيان فولدت له الحسن وبه كان يكنى وخالدا وعمرا وأختا يقال لها أم خالد ، وسليمان بن برمك أمه امرأة من أهل بخارى ، وكان ابن برمك وأم القاسم من امرأة أخرى بخاريّة أيضا ، ولما فتح عبد الله بن عامر بن كريز خراسان أنفذ قيس بن الهيثم حتى قدم مدينة بلخ وقدّم بين يديه عطاء ابن السائب فدخل بلخ وخرّب النوبهار ، وقال بعض الشعراء يذكر النوبهار :
أوحش النوبهار من بعد جعفر ، |
|
ولقد كان بالبرامك يعمر |
قل ليحيى : أين الكهانة والسح |
|
ر وأين النجوم عن قتل جعفر؟ |
أنسيت المقدار أم زاغت الشم |
|
س عن الوقت حين قمت تقدّر! |
وقال أبو بكر الصولي : حدثنا محمد بن الفضل المذاري عن علي بن محمد النوفلي قال : كان برمك يعمّر النوبهار ويقوم به ، وهو اسم لبيت النار الذي كان ببلخ يعظم قدره بذلك ، فصار ابنه خالد بن برمك بعده ، فقال أبو الهول الحميري يمدح الفضل بن الربيع ويهجو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي :
فضلان ضمّهما اسم وشتّت الأخبار |
|
آثار فضل الربيع مساجد ومنار |
وفضل يحيى ببلخ آثاره النوبهار |
|
وما سواه إذا ما أثيرت الآثار |
بيت يوحّد فيه ويعبد الجبّار |
|
وبيت شرك وكفر به تعظّم نار |
نُوبَةُ : بضم أوله ، وسكون ثانيه ، وباء موحدة ، والنّوب : جماعة النحل ترعى ثم تنوب إلى موضعها ، فشبّه ذلك بنوبة الناس والرجوع مرة بعد مرة ،