فبدّل الله خلقهم وجعلهم نسناسا للرجل والمرأة منهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا على وجوههم يهيمون في تلك الغياض إلى شاطئ البحر يرعون كما ترعى البهائم وصار في أرضهم كل نملة كالكلب العظيم تستلب الواحدة منها الفارس عن فرسه فتمزقه ، ويقال إن ذا القرنين وجنوده دخلوا إلى هذه الأرض فاختلس النمل جماعة من أصحابه ، ويروى عن أبي المنذر هشام بن محمد أنه قال : قرية وبار كانت لبني وبار وهم من الأمم الأولى منقطعة بين رمال بني سعد وبين الشّحر ومهرة ، ويزعم من أتاها أنهم يهجمون على أرض ذات قصور مشيدة ونخل ومياه مطر وليس بها أحد ، ويقال إن سكانها الجن لا يدخلها إنسيّ إلا ضلّ ، قال الفرزدق :
ولقد ضللت أباك تطلب دارما |
|
كضلال ملتمس طريق وبار |
لا تهتدي أبدا ولو بعثت به |
|
بسبيل واردة ولا آثار |
ويزعم علماء العرب أن الله تعالى لما أهلك عادا وثمود أسكن الجن في منازلهم وهي أرض وبار فحمتها من كل من يريدها ، وأنها أخصب بلاد الله وأكثرها شجرا ونخلا وخيرا وأعذبها عنبا وتمرا وموزا فإن دنا رجل منها عامدا أو غالطا حثا الجن في وجهه التراب وإن أبى إلا الدخول خبّلوه وربما قتلوه ، وعندهم الإبل الحوشيّة وهي فيما يزعم العرب التي ضربت فيها إبل الجنّ ، وقال شاعر :
كأني على حوشية أو نعامة |
|
لها نسب في الطير أو هي طائر |
وفي كتاب أخبار العرب أن رجلا من أهل اليمن رأى في إبله ذات يوم فحلا كأنه كوكب بياضا وحسنا فأقرّه فيها حتى ضربها فلما ألقحها ذهب ولم يره حتى كان في العام المقبل فإنه جاء وقد نتج الرجل إبله وتحركت أولاده فيها فلم يزل فيها حتى ألقحها ثم انصرف ، وفعل ذلك ثلاث سنين ، فلما كان في الثالثة وأراد الانصراف هدر فتبعه سائر ولده ومضى فتبعه الرجل حتى وصل إلى وبار وصار إلى عين عظيمة وصادف حولها إبلا حوشية وحميرا وبقرا وظباء وغير ذلك من الحيوانات التي لا تحصى كثرة وبعضه أنس ببعض ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ولم ير أحدا ، فبينما هو واقف يفكر إذ أتاه رجل من الجن فقال له : ما وقوفك ههنا؟ فقصّ عليه قصة الإبل ، فقال له : لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك ولكن اذهب وإياك والمعاودة فإنّ هذا جمل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها ، ثم أعطاه جملا وقال له : انج بنفسك وهذا الجمل لك ، فيقال إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل ، ثم جاء الرجل وحدث بعض ملوك كندة بذلك فسار يطلب الموضع فأقام مدة فلم يقدر عليه وكانت العين عين وبار ، قال أبو زيد الأنصاري : يقال تركته ببلد اصمت وتركته بملاحس البقر وتركته بمحارض الثعالب وتركته بهور ذابر وتركته بوحش إضم وتركته بعين وبار وتركته بمطارح البزاة ، وهذه كلّها أماكن لا يدرى أين هي ، وقول النابغة :
فتحمّلوا رحلا كأن حمولهم |
|
دوم ببيشة أو نخيل وبار |
يدلّ على أنها بلاد مسكونة معروفة ذات نخيل ، وكان لدعيميص الرّمل العبدي صرمة من الإبل ، فبينما هو ذات ليلة إذا أتاه بعير أزهر كأنه قرطاس