وعرضا من عقبة أسدآباذ إلى ساوه ، قالوا : ومن عجائب همذان صورة أسد من حجر على باب المدينة يقال إنه طلسم للبرد من عمل بليناس صاحب الطلسمات حين وجّهه قباذ ليطلسم آفات بلاده ، ويقال إن الفارس كان يغرق بفرسه في الثلج بهمذان لكثرة ثلوجها وبردها ، فلما عمل لها هذا الطلسم في صورة الأسد قلّ ثلجها وصلح أمرها ، وعمل أيضا على يمين الأسد طلسما للحيّات وآخر للعقارب فنقصت وآخر للغرق فأمنوه وآخر للبراغيث فهي قليلة جدّا بهمذان ، ولما عمل بليناس هذه الطلسمات بهمذان استهان بها أهلها فاتخذ في جبلهم الذي يقال له أروند طلسما مشرفا على المدينة للجفاء والغلظ فهم أجفى الناس وأغلظهم طبعا ، وعمل طلسما آخر للغدر فهم أغدر الناس فلذلك حوّلت الملوك الخزائن عنها خوفا من غدر أهلها ، واتخذ طلسما آخر للحروب فليست تخلو من عسكر أو حرب ، وقال محمد بن أحمد السلمي المعروف بابن الحاجب يذكر الأسد على باب همذان :
ألا أيها الليث الطويل مقامه |
|
على نوب الأيام والحدثان |
أقمت فما تنوي البراح بحيلة ، |
|
كأنك بوّاب على همذان |
أطالب ذحل أنت من عند أهلها؟ |
|
أبن لي بحقّ واقع ببيان |
أراك على الأيام تزداد جدّة ، |
|
كأنك منها آخذ بأمان |
أقبلك كان الدهر أم كنت قبله |
|
فنعلم أم ربّيتما بلبان؟ |
وهل أنتما ضدّان كلّ تفرّدت |
|
به نسبة أم أنتما أخوان؟ |
بقيت فما تفنى وأفنيت عالما |
|
سطا بهم موت بكل مكان |
فلو كنت ذا نطق جلست محدثا ، |
|
وحدثتنا عن أهل كل زمان |
ولو كنت ذا روح تطالب مأكلا |
|
لأفنيت أكلا سائر الحيوان |
أجنّبت شر الموت أم أنت منظر |
|
وإبليس حتى يبعث الثقلان |
فلا هرما تخشى ولا الموت تتّقى |
|
بمضرب سيف أو شباة سنان |
وعمّا قريب سوف يلحق ما بقي ، |
|
وجسمك أبقى من حرا وأبان |
قال : وكان المكتفي يهمّ بحمل الأسد من باب همذان إلى بغداد وذلك أنه نظر إليه فاستحسنه وكتب إلى عامل البلد يأمره بذلك ، فاجتمع وجوه أهل الناحية وقالوا : هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة ولا يجوز نقله فيهلك البلد ، فكتب العامل بذلك وصعّب حمله في تلك العقاب والجبال والمدور ، وكان قد أمر بحمل الفيلة لنقله على العجلة ، فلما بلغه ذلك فترت نيته عن نقله فبقي مكانه إلى الآن ، وقال شاعر أهل همذان وهو أحمد بن بشار يذم همذان وشدة برده وغلظ طبع أهله وما يحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة لشتائهم :
قد آن من همذان السير فانطلق ، |
|
وارحل على شعب شمل غير متّفق |
بئس اعتياض الفتى أرض الجبال له |
|
من العراق وباب الرزق لم يضق |
أما الملوك فقد أودت سراتهم |
|
والغابرون بها في شيمة السّوق |