قال :
«وذكر المؤرّخون : أنّ كتب أهل الكوفة وردت على الحسين ، وأنّه أرسل مسلم بن عقيل ، ابنَ عمّه ، إليهم ليأخذ عليهم البيعة ، وينظر هو في اتّباعه ، فنهاه ابن عبّاس ، وأعلمه أنّهم خذلوا أباه وأخاه ، وأشار عليه ابن الزبير بالخروج ، فخرج ، فلم يبلغ الكوفة إلّاومسلم ابن عقيل قد قُتل ، وأسلمه من كان استدعاه ؛ ويكفيك بهذا عظةً لمن اتّعظ!
فتمادى واستمرّ غضباً للدين وقياماً بالحقّ ، ولكنّه رضي الله عنه لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عبّاس ، وعَدَل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر ، وطلب الابتداء في الانتهاء ، والاستقامة في الاعوجاج ، ونضارة الشبيبة في هشيم المشيخة ، ليس حوله مثله ، ولا له من الأنصار من يرعى حقّه ، ولا من يبذل نفسه دونه ، فأردنا أنْ نطهّر الأرض من خمر يزيد ، فأرقنا دم الحسين ، فجاءتنا مصيبة لا يجبرها سرور الدهر.
وما خرج إليه أحد إلّابتأويل ، ولا قاتلوه إلّابما سمعوا من جدّه المهيمن على الرسل ، المخبر بفساد الحال ، المحذّر من الدخول في الفتن ، وأقواله في ذلك كثيرة ، منها : قوله صلىاللهعليهوسلم : إنّه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أنْ يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع ، فاضربوه بالسيف كائناً من كان ؛ فما خرج الناس إلّابهذا وأمثاله.
ولو أنّ عظيمها وابن عظيمها ، وشريفها وابن شريفها الحسين ، وسعه بيته أو ضيعته أو إبله ، ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحقّ ، وفي جملتهم ابن عبّاس وابن عمر ، لم يلتفت إليهم ، وحضره ما أنذر به النبيّ