اتل عليهم نبأ إبراهيم
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) فإن تلاوة مثل هذا الحديث قد يترك تأثيره الكبير على ذهنيتهم الإشراكية ، فيغيّرون عقلية الشرك إلى عقلية توحيدية ، لما يملكه إبراهيم من احترام وتقدير عندهم ، باعتبار انتسابهم إليه ، ولما يتمثل في الحديث من لمعات فكرية ، وإشراقات وحدانية ، تضيء لهم طريق التوحيد في حركة العقيدة ، (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) في حوار جماعيّ معهم جميعا ، أو في حوارين منفصلين ، مع أبيه تارة ، ومع قومه أخرى ، فيكون الجمع بينهما من قبيل الإيجاز. فقد بدأ السؤال بطريقة ساذجة تثير علامات الاستفهام في الموقع الذي يملك فيه الجواب البسيط عن كل الأسئلة ، ولكنه يريد استنطاق هؤلاء عن الحقيقة المعروفة لديه ، لتسجل عليهم اعترافا بالعقلية الصنمية ، ليكون ذلك مدخلا للحوار على أكثر من صعيد.
وربما احتمل البعض ، أن هذه المحاجّة كانت من إبراهيم أوّل ما خرج من كهفه ودخل في مجتمع أبيه وقومه ، ولم يكن شهد شيئا من ذلك قبل اليوم ، فحاجّهم عن فطرة ساذجة طاهرة.
(قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) لأننا نرى أنها تختزن في داخلها أسرارا مقدّسة توحي بالعبادة التي تقربنا إلى الله زلفى ، أو إلى الملائكة أو الجن أو الكواكب وغيرها ، مما لا يحيطون بكنهه ، ولا يملكون الاتصال به بشكل مباشر.
(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) ليكون هذا أساسا للعبادة من خلال القوى الخفية المخزونة فيها حيث تحتوي إمكانات النفع والضرر ، ليكون في ذلك استجلاب للنفع أو دفع للضرر ، فهل يملك هؤلاء ذلك لكم؟
(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) فلم تكن العبادة ناشئة من حالة عقلانية