القرآن يجيب عن الشبهة
ولكن الله يثير أمامهم المسألة من موقع الصفة الحركية للرسالة ، والخط التربويّ للمسيرة الإنسانية في حركية الإسلام في تنمية الفكر والروح ، ومراقبة الحركة في الوسيلة والهدف وفي مواجهة التحديات.
فلم يكن الإسلام مجرّد فكر يراد للناس أن يختزنوه في وعيهم في مواقع نظرية للمعرفة المجرّدة ، بل كان فكرا يراد له أن يتجذّر في النفس والواقع والحياة ، لأن المقصود هو تنمية الروح الإسلامية في الإنسان ، في عملية صنع الأمة على هدى الإسلام وتعاليمه. ولهذا كانت الخطة أن تطرح الفكرة في ساحة التطبيق ، ليعيش المسلمون المشكلة ، فتتفاعل في عقولهم ومشاعرهم ، وتحتوي أوضاعهم وعلاقاتهم ، لتأتي الآية بالحل المناسب الذي يستوعب الحالة كلها ، فيرى الناس الحل في حجم المشكلة ، وفي صعيدها ، وينظرون إلى الفكرة وهي تتحرك في الأرض بطريقة واقعية ، فيعيشون واقعيتها ، فتثبت في شخصيتهم في عمق التأثير ، وبذلك تمنحهم المعرفة والتطبيق ، والثبات الفكري والروحي والعملي على الخط المستقيم. وهناك فرق بين أن يأخذ الفكرة من مواقع التجريد ، وبين أن يأخذها من مواقع الواقع. فإن الانطلاق من الواقع يثبّت الشخصية من خلال الفكرة ، تماما كما هو الماء الذي ينفذ إلى الأرض ليمنحها الحيوية والنموّ في البذور الساكنة في التراب.
هذا هو الأساس في تنزّل القرآن على دفعات من أجل أن يواكب القرآن المسيرة كلها ليرعاها ويشرف عليها ويجنّبها المشاكل الصعبة ، وينظّم لها خطوطها التفصيلية ، على مستوى حركة القيادة والتزام القاعدة ونهج المسيرة ، لأن ذلك يمنع الاهتزاز الروحي والفكري والعملي ، ويحفظ القاعدة من السقوط والانهيار ، لأنها تتحرك بعين الله ورعايته وإشرافه ، في كل حركة ،