كانت الغفلة تحجبني عن التطلع إلى آفاق الرسالة في انطلاقات الشروق الروحي في وحي الله .. (يا وَيْلَتى) أي يا هلاكي ، حيث يتعاظم الشعور بالحسرة والندامة حتى يتحوّل إلى ما يشبه الاستغاثة والمناداة بالويل الذي يعبر عن الإحساس المباشر العميق بالهلاك.
* * *
ليتني لم أتخذ فلانا خليلا
(لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) هذا الإنسان الذي عشت معه الصداقة الحميمة التي كانت تنفذ إلى مشاعري العميقة فتحجب عني وضوح الرؤية للأشياء ، وتواجه أفكاري بالصدمة التي لا يثبت فيها أيّ فكر أمام حرارة الشعور ، ولا يصمد فيها أيّ حقّ أمام باطل العاطفة في ليالي السمر التي يغفل الإنسان فيها عن نفسه فيستسلم إلى غيره ، وفي أجواء الشهوات التي يفقد فيها إرادته ، فلا تتماسك معها مواقفه ، كيف لم أنتبه إلى طبيعة فكره ، وسوء موقفه ، وبعده عن ربه ، وعبادته لشهواته؟! كيف غاب عني هذا كله ، فلم أر منه إلا الصورة الحلوة ، والشعور الحميم؟!
(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) وأبعدني عن الاستماع إليه ، والتفكير به ، والتعمّق في فهم مداليله ونتائجه ، والاهتداء بهداه ، في ما يأمرني به ، أو ما ينهاني عنه. وها أنا الآن أقف موقف المسؤولية الصعب الذي يواجه عذاب الله في النار ، ويقف هذا الإنسان ليتخلى عن كل مسئولية في إضلالي ، فيحمّلني مسئولية ما أنا فيه ، من دون أن يكون له دور في ذلك ، (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [الحشر : ١٦].