واعية مرتكزة على الدراسة والتأمل والتحليل ، بل هي ناشئة من إرث الآباء والأجداد الذي تركوه لنا ، هذا الإرث الذي يحوي عقائد وشرائع وعادات وتقاليد وأوضاعا وعلاقات خاصة أو عامة ، نشعر بضرورة المحافظة عليه بشكل مقدّس لقداسة ذكراهم عندنا ، فلا نحتقر شيئا احترموه ، ولا نحترم شيئا احتقروه ، لأن ذلك ـ وحده ـ يعبر عن الوفاء لهم ، ويجعل لنا تواصلا وامتدادا طبيعيا معهم في كل أمورهم.
* * *
إبراهيم يعلن العداوة للأصنام
(قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) من الموقع العقيدي الملتزم بالإيمان بالله ، كعقيدة وعبادة ومنهج للحياة .. الذي يتنافى مع كل اتجاه آخر ، بحيث تتحول الساحة إلى صراع مرير بين الاتجاهين ، لينسحب أحدهما لمصلحة الآخر ، بكل الوسائل الممكنة ، بالرفق تارة ، وبالعنف أخرى. ولذا فإن موقفي هو موقف العدوّ الذي يتحدى الأصنام ويرفضها ويعمل على تدميرها وإبعادها عن ذهنية الناس وحياتهم ، حتى لا تترك أيّ تأثير على الفكر والممارسة معا من دون ملاحظة لأية مسألة عاطفية ذات صلة بالقرابة ، كما تدرجون عليه في ربط الجانب العقيدي بالجانب العاطفي في التزامكم بعقائد الآباء من موقع الإخلاص لهم ، فإن ذلك لا يربطني بشيء ، ولهذا فإنني لا أشعر بمسألة النسب ، كحالة عاطفية عند ما تقف أمام مسألة العقيدة ، مما يجعلني أتحدث عنهم بصفة أنهم آباؤكم ، مع أنهم آبائي أيضا (١).
__________________
(١) جاء في تفسير الكشاف .. وإنما قال «عدو لي» تصويرا للمسألة في نفسه ، على معنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو ، فاجتنبتها وآثرت عبادة من الخير كله منه وأراهم بذلك أنها نصيحة نصح بها نفسه أوّلا وبنى عليها تدبير ـ