الدعاء يمنح الرعاية الإلهية
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) أي إن الله لا يبالي بكم ولا يعتني بشأنكم ولا يجعل لكم منزلة عنده ، لو لا دعاؤكم. وهذا المعنى واضح لا يحتاج إلى تفسير ، ولكن ما هو المراد من كلمة (دُعاؤُكُمْ)؟ هل المراد بها الدعاء إلى الله في ما يدعو الإنسان إليه من الإيمان به وعبادته والعودة إليه من الضياع الذي يلف الإنسان في أجواء الضلال ، فيكون المعنى أن الله لا يعبأ بكم في أيّ وضع من الأوضاع ، لو لا دعاؤه لكم لتهتدوا ، ولتعبدوه وحده لا شريك له؟ أو أن المراد بها دعاء العبد لله في ما يهمّه من أمور الحياة ، أو في ما يحسّه من مشاعر الإيمان به ، والخشوع له ، والخضوع إليه ، ليعبر عن توحيده ، بالكلمة ، والحركة والابتهال ، فيكون المعنى أن الله لا يعبأ بكم ، لو لا دعاؤكم إياه ، في ما يمثله ذلك من التصديق بوجوده ، والإذعان بوحدانيته ، والإخلاص لعبادته؟
هناك من يختار الوجه الأول ، لأن الفقرة التالية لا تتناسب مع الوجه الثاني ، وهي قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) لأن تفريع ذلك على ما قبله من تفريع السبب على المسبب بمعنى انكشافه بمسببّه ، أي أن السبب في عدم اعتناء الله بكم هو تكذيبكم به ، فلا خير يرجى منكم ، فسوف يكون هذا التكذيب ملازما لكم أشد الملازمة ، إلا أن الله يدعوكم ليتم الحجة عليكم أو يدعوكم لعلكم ترجعون عن تكذيبكم.
أما المعنى الثاني ، فإنه لا يلائم تفرّع قوله (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) عليه ، وكان عليه من حق الكلام أن يقال : وقد كذبتم ، على أن المصدر المضاف إلى فاعله يدلّ على تحقق الفعل منه وتلبّسه به ، وهم غير متلبسين بدعائه وعبادته تعالى ، فكان من حق الكلام على هذا التقدير أن يقال : لولا أن تدعوه.
ولكننا نلاحظ على هذا الاختيار التفسيري ، أن المعنى الثاني أقرب ، لأن