بعض ، ويتألّم النبيّ لكفر الكافرين ، لأن المسألة عنده ، ليست نجاحه الذاتي في ما يمثله ذلك من امتيازات تبعث على الزهو والرضا والسرور ، بل هي نجاح الرسالة في اختراقها الحواجز النفسية والفكرية المضادة التي تحول بينهم وبين الانفتاح على الحق في الدعوة ونجاح الإنسان الضال في التمرّد على نقاط ضعفه ، والانتصار على نوازعه المنحرفة. فقد كان كل همّه أن يصل الناس إلى الله من أقرب طريق ، ويأتي القرآن ليمسح على قلبه ، وليفتح روحه على الله في ما يقدّره من آفاق الرسالة في المستقبل.
* * *
تلك آيات الكتاب المبين
(طسم) من الحروف المقطعة التي تقدم الحديث عنها في أوائل سورة البقرة. (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) التي تنفتح على الهدى في الفكر والحياة لتقود الضالين إلى مواقع الحق ، ولترتفع بإعجازها إلى آفاق السموّ في فصاحة الكلمة وبلاغة الأسلوب وإعجاز الكلام.
(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) البخوع هو إهلاك النفس عن وجد ، وهذه هي اللفتة الإلهية الموحية التي تلمس قلب النبيّ بالحنان والعطف في ما كان يستشعره من الألم العميق الذي يأكل روحه ، لأنه ينظر إلى مستقبل هؤلاء الناس ، فيرى فيه أكثر من مشكلة تتحدى سلامهم الروحي وأمنهم المادي ، في ما هو القلق الذي يفترس اطمئنانهم ، والحيرة التي تأكل حياتهم ، والضياع الذي يهدّد نجاتهم ، فيتألم لهم لأنهم ابتعدوا عن خط الإيمان الذي هو مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة ، ويتعمق الألم في داخله ، من موقع الرحمة في قلبه ، وحركة المسؤولية في روحه وفكره ، حتى ليخيّل للناظر إليه والمطّلع عليه ، أنه يكاد أن يهلك حزنا وأسفا. ولهذا خاطبه الله بأسلوب الترجي الذي يوحي بقرب حدوث ذلك ، أو بإمكانه.