أمّا كلمة الفرقان ، فقد تكون تعبيرا عن العمق الفكري والعملي الذي يوحي به القرآن ، ليحدد الفروق الفاصلة بين الحق والباطل ، لئلا تبقى هناك شبهة أمام أيّة قضية من قضايا الحياة التي يختلف فيها الرأي في ما يأخذ به الإنسان أو يتركه من شؤونها العامة والخاصة .. ولم ينزل الله القرآن على عبده ليكون شأنا خاصا يكلّفه به مهمات شخصية ، بل (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ..) ، ليستمع إليه الإنس والجن ، فيخلق في داخلهم الشعور بالخوف من الانحراف عن خط المسؤولية بما تمثله من رضى الله وغضبه في مواقع الرضى والسخط ، وبذلك لا يكون الخوف الذي يثيره القرآن في داخل الإنسان حالة عقدة ذاتية ، بل حالة انطلاق في الفكر والجدّية الواعية من أجل مواجهة الأمور على أساس الموقف الصلب المتحفز الذي يحتاط لكل شيء ، دون أن يهمل أيّ شيء فيه رضى الله ، لا على أساس الاسترخاء الذاتي الذي يدفع بالإنسان إلى التسويف في العمل وفي تقويم الخط وتصحيحه.
وتلك هي قصة النفس الإنسانية التي لا بد من أن تهزها بعمق في عملية إثارة ، تماما كما هي الأرض التي إذا أثرتها أعطت كل خير وخصب وحياة.
وإذا كانت كلمة العالمين شاملة لكل أصناف الخلق من الجماد والنبات والحيوان والإنسان والجن والملك ، فإن المقصود بها في الآية المخلوقات الواعية العاقلة التي تحتاج إلى الإنذار من أجل أن تتوازن وتستقيم في حركة الحياة.
* * *
لله ملك السموات والأرض
(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يملكها غيره ، فله الهيمنة عليها ، لأن ملكيته لها لم تكن مستمدة من مالك آخر ، كما هو الملك القانوني الذي