كيف نستوحي الموقف؟
وهذا ما قد نستوحيه في كثير من المواقف المتصلة بالمبدأ في خطوط التمايز الواقعي للأشياء ، فقد لا يجوز إغفال القاعدة التي ترتكز عليها المواقف التفصيلية ، وإبعادها عن الإعلان ، بحجة أن ذلك قد يثير الحساسيات ، والمشاعر المتوترة ، مما قد يوحي بضرورة الهروب إلى عناوين وشعارات أخرى .. تحجب الحقيقة عن الناس.
إننا نعتقد أن مسألة الهويّة العقيديّة لا بد من أن تعلن ، ليكون التوافق والتخالف من خلالها ، وليعترف بها الناس من موقعها الفكري والسياسي ، لتتحرك التفاصيل من ذلك الموقع. فذلك هو السبيل لتحقيق التوازن في الحركة ، لأن المشاعر المتوترة التي يثيرها الإعلان الحاسم سوف تتبخر وتهدأ ، لتفسح المجال للأمر الواقع أن يفرض نفسه.
* * *
إبراهيم يعلن التزامه بربّ العالمين
(إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) قيل : إنه استثناء منقطع ، لعدم دخوله في المستثنى منه ، لأنه ليس ممن يعبدونه ، فيكون المعنى : إنهم عدوّ لي ، لكن ربّ العالمين ليس كذلك ، فإنه الرب الذي أعبده وأخلص له لأنه يملك مني ما لا يملكه أحد ، وينعم علي بما لم ينعم به أحد عليّ.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فهو الذي أعطاني سرّ الحياة بكل عمقها وحركتها وتفاصيلها ، فلم يكن الخلق وجودا ضائعا في الفراغ ، بل كان نظاما شاملا للحياة ، في كل حركة الهداية التي يهتدي بها الوجود إلى طعامه وشرابه وجميع أوضاعه في حياته الخاصة والعامة ، حتى حركة الفكر عند ما يفكر ،