معالجته لها ، وفي طريقة إثارته للكلمة وللأسلوب في مواقع الإقناع ، ولذلك ، فقد استطاع أن يزلزل البعض من الناس لمصلحة دعوته ، وتطور الأمر به حتى بلغ درجة شديدة من الخطورة ، وذلك ، في محاولته الجادة لإرباك قناعتنا بقداسة الآلهة التي نعبدها ، وربما استطاع أن ينفذ إلى بعض أفكارنا ومشاعرنا ، وأن يترك تأثيره على إيماننا بها ، وقد كان من الممكن أن يحوّلنا إلى الإيمان بالله الواحد والكفر بالأصنام ، لأن خطته كانت أن يشغلنا عنها بحلاوة حديثه ، وأن يبعدنا عن الالتزام بها ، بروعة أساليبه ، لو لا أننا انتبهنا إلى المسألة قبل فوات الأوان ، فجاهدنا مشاعرنا حتى لا تهتز معه ، وواجهنا أفكارنا حتى لا تقتنع به ، واستطعنا أن نتحمل كل آلام المعاناة المضادّة لتوجهاته ، وصبرنا على آلهتنا ، والتزمنا الموقف الصلب معها على خط الثبات في الإخلاص لها وعبادتها.
ولكن الله يواجه هذا المنطق بقوّة الخالق الذي يتوعد عباده المشركين المنحرفين عن خط الاستقامة ، ليوضح الفكرة الحاسمة التي تنتظر الجميع في نهاية المطاف ، وذلك بقوله : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) هؤلاء الذين يقفون في مواجهة الرسول بأساليب السخرية (حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) الذي ينتظرهم يوم القيامة ، (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) عند ما ينكشف لهم خط السير الذي يؤدي إلى الجنة للملتزمين بما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخط الانحراف الذي يؤدي إلى النار للذين التزموا عقيدة الكفر والإلحاد.
* * *
صفة عبّاد الأهواء
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) من هؤلاء الذين لا يتحركون في انتماءاتهم وعلاقاتهم وكلماتهم وأعمالهم وكل مشاريعهم في الحياة ، من قاعدة فكرية ،