إلى تلك الحقيقة الواحدة التي تشرق على الكون كله وتدبره بكل ظواهره ومفرداته؟
إنها كلمات الإصرار على الموقف ، المنفتحة على نوافذ العقل والوجدان واليقين التي توحي بالقوّة الرسالية في الموقع الثابت الذي يقف فيه موسى في وجه التحدي الكافر الذي يمثله فرعون وقومه.
* * *
فرعون يلجأ إلى التهديد بعد سقوط حجته
ولم يستطع فرعون أن يتمالك نفسه ، فقد خاف أن يظهر عجزه لقومه ، لو استمر بهذا الأسلوب المتحرك مع علامات الاستفهام ، ومواقف الاحتجاج والاستنكار ، فالتجأ إلى أسلوب الأقوياء الضعفاء عند ما يريدون أن يغطّوا ضعف مواقفهم الداخلية بمظاهر القوّة الخارجية الاستعراضية ، وذلك بإطلاق كلمات التهديد بالسجن. (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) فليست لك حرية اختيار الإله الذي تعبده ، لأن اختيار عبادة غيري في الأرض التي أملكها وأستبعد أهلها وأشرف عليها من موقع الربوبية العليا ، تسيء إلى نظام المجتمع كله في قضية العبادة والطاعة والانقياد ، ولذا فإن الحرية الفردية التي تتيح لك أن تقول ما تريد أو تفعل ما تشاء ، تخضع لقيود النظام العام للأمة كلها ، فتسيء إلى الناس كلّهم ، فمن حق الرب الذي يدبّر أمور عباده أن يمنع الذين يسيئون للنظام ، ويعرضون السلامة العامة للخطر ، فلا بد لك من أن تتراجع عن دعوتك وعن التزامك وتبدّل مواقفك بالرجوع إلى عبادتي والاعتراف بألوهيتي ، وإلّا فمصيرك السجن الذي يتيح لك فرصة الاصطدام بالحقيقة ، في لحظات الهدوء التي تمنحك التفكير الواقعي في الأمور ، بعيدا