عن الخيالات اللّاواقعية في قضايا الكون والحياة.
ولكن موسى لم يستسلم للتهديد ، فقد كانت رساليته تفرض عليه التنقل من جوّ إلى جوّ ، بطريقة ذكيّة ، تجعل الجميع مشدودين إلى آفاق الرسالة. فإذا كان فرعون يهدّده بالسجن ، فإنه يطرح عليه الآيات البيّنات المنطلقة من عالم الغيب الدالّة على ارتباطه بقوّة الله ، مما لا يستطيعه أيّ بشر مهما كانت قوته ، ليكون ذلك حركة متقدمة في التحدي بالقوّة أمام التهديد بالسجن من موقع القوة الفرعونية.
(قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) يوضح لك الحقيقة ، ويدلك على صدق الدعوى ، فلا تبقى القضية بيننا قضية علامات استفهام تبحث عن أجوبة ، بل تتحول إلى حركة الحقيقة التي تفرض نفسها على العقل والشعور والواقع في صدمة حاسمة لا تترك مجالا للجدل؟ فهل تبقى على أسلوب التهديد والوعيد إن جئتك بذلك المعجز الخارق؟
(قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) قالها وهو يشك في قدرته على ذلك ، مع قلقه في إمكانية ذلك ، ولكنه لا يستطيع أمام الملأ من حوله ، إلا أن يستجيب للطلب المتحدّي لئلا يسجلوا عليه بذلك نقطة ضعف.
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) وكانت هذه الآية الأولى التي أثارت الرعب والفزع في نفس فرعون ، لما تمثله من الخطورة والقوة غير العادية ، (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) وقد كانت موضوعة في جيبه فأخرجها منه ، وهذه هي الآية الثانية التي أثارت الدهشة في عيون الحاضرين.
(قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) فقد أسقط ما في يده ، ولم تعد له أيّة حجة يجابه بها موقف موسى القويّ ، فلم يكن ينتظر أن يكون الرد بهذه الطريقة ، بل كان ينتظر جدلا ومناقشة واستغراقا في التفاصيل التي يستطيع فرعون معها أن يلعب على الألفاظ ويستثير المشاعر ، لذا لم يبق لديه إلّا