هو تطبيق فكرة مخزونة في داخل عقولهم على الفكرة التي يطرحها عليهم لإخراجهم من الاستغراب ، بتذكيرهم بما يؤمنون به وإخراجهم من أجواء الغفلة عنه ، من دون الدخول في جدل حوله ، بإثارة علاقة الحاجة إلى المدبر بالإيمان به ، والله العالم.
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) إلى ما يقوله موسى عليهالسلام عن ربّ العالمين ، ربّ السماوات والأرض وما بينهما مما لم نسمعه ولم نألفه في عقائدنا وأوضاعنا العامة والخاصة؟ فكأنه يريد أن يثير فيهم الاستنكار الشديد نحوه ليهزم دعوته بأساليب الإثارة ضدّه.
ولكن موسى لم يأبه لذلك كله ، بل بقي مستمرا في دعوته في مواجهة التحدي بالتحدي ليجعل الصفة الإلهية في ربوبيته مرتبطة بهم في وجودهم الذاتي في الحاضر ، وفي وجود آبائهم في الماضي.
(قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) فكيف تجهلون خالقكم وخالق آبائكم الذي تستمدون وجودكم من خلال إرادته ، أو كيف تتجاهلونه؟
(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) فهو يهذي بكلام غير مفهوم ، ولكن موسى يتابع كلامه في الإصرار على ذلك بأساليب متنوعة من دون تقدير للنتائج السلبية المتعلقة به في حاضره ومستقبله ، (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) هل تتطلعون ـ جيدا ـ إلى الشمس عند ما تشرق في الكون في جهة معينة منه فتكشف لكم جانبا كبيرا منه يسمى بالمشرق ، وعند ما تغرب في جهة أخرى فتكشف جانبا آخر يسمّى بالمغرب ، ألا يثير ذلك فيكم الشعور بأن هناك قوّة تحرّك ذلك كله في حركة النور والظلام؟ لما ذا لا تفكرون بعقولكم لتلتقي بالحقيقة الإلهية المطلقة في الكون ، لتعرفوا أن رب العالمين الذي أدعوكم إلى عبادته في ما أحمله من رسالته هو رب السماوات والأرض وما بينهما ، وهو رب المشرق والمغرب وما بينهما ، وأن تنوّع الأسماء يشير