الظاهر من الآية هو التركيز على العنصر الذي ينال به الناس اعتناء الله بهم ورعايته لهم ، مما يصدر عنهم ، لا مما يصدر منه ، تماما كما تقول : لا قدر لك عندي لو لا فعلك الكذائي ، أو لو لا قرابتك ، أو ما أشبه ذلك ، مما يوحي بأن مدخول «لو لا» هو الشيء الذي يستحق بلحاظه القرب إليه والاعتناء به ، ليكون المعنى أن الدعاء هو الذي يمنحكم رعاية الله وعنايته بكم ، باعتبار ما يمثله من الدلالة على إيمانكم به وخضوعكم له .. ولكنكم لم تفعلوا ذلك لأنكم لم تلتزموا خط الإيمان ، فقد كذبتم به وبرسله ، وتمردتم عليه ، وخضعتم لغيره ، ودعوتم سواه ، فسوف يكون إبعاده لكم لزاما لأنكم لم تأخذوا بسبب القرب إليه.
أمّا حديث اقتضاء إضافة المصدر إلى فاعله ووقوعه منه ، فقد يكون ذلك لو كان الحديث عن الماضي ، أمّا عند ما يكون الحديث عن العلاقة بين شيء وشيء في ما يجب أن يكون أو يحدث من أجل تحققه ، فإنه لا يقتضي ذلك ، أو ليس ظاهرا فيه على الأقل.
وقد وردت الرواية عن الإمام محمد الباقر عليهالسلام كما ذكره العياشي في تفسيره بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء؟ قال : كثرة الدعاء؟ أفضل ، وقرأ هذه الآية (١).
وهكذا نفهم أن الدعاء هو الوسيلة التي يتوسّل بها الإنسان إلى تجسيد الصلة بربه والشعور العميق بحضور الله في حياته. فهو الذي يحصل من خلاله على العلاقة الحميمة بالله ، وعلى الرعاية الإلهية له ، وهذا مما لم يحصل منهم لتكذيبهم لرسالته ، وعكوفهم على عبادتهم للأصنام ، وامتناعهم عن عبادة الله الواحد ، الأمر الذي أبعدهم عن الدعاء فابتعدوا عنه ، فابتعد الله عنهم وانقطعت الصلة بينهم وبينه إلى الأبد.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ، ص : ٢٤٧.