أقول : كلّ معقول فهو : إمّا واجب ، أو ممكن ، أو ممتنع ؛ وذلك لأنّ كلّ ما يتصوّره العقل : فإمّا أن يصحّ وجوده في الخارج ، أو لا يصح ؛ فالّذي يصحّ وجوده في الخارج : فإمّا أن لا يصحّ عدمه ، أو يصحّ عدمه ، فالأوّل هو الواجب ، وهو ما يصحّ وجوده لذاته ، ويمتنع عدمه لذاته ، والثّاني هو الممكن ، وهو ما يصح عدمه ووجوده. والثّالث : هو الممتنع ، وهو ما لا يصحّ وجوده ويجب عدمه وهو [ما] لا وجود له البتّة (١) ، فبقي أن يكون الموجود : إمّا واجبا ، وإمّا (٢) ممكنا.
فنقول : صانع العالم موجود ؛ فإمّا أن يكون واجبا ، أو ممكنا. لا جائز أن يكون ممكنا ، فتعيّن أن يكون واجبا ، لانحصار الموجود (٣) فيهما. وإنّما قلنا : انّه لا يجوز أن يكون ممكنا ، لأنّ الممكن هو الّذي لا وجود له من ذاته ، بل وجوده من غيره ، فلو كان صانع العالم ممكنا ، لافتقر إلى موجد يوجده ، فذلك الموجد إن كان واجب الوجود ، فهو المطلوب ، وإن كان ممكن الوجود أيضا ، احتاج إلى موجد يوجده ، ضرورة افتقار الممكن إلى موجد.
فإن كان موجده الممكن الأوّل ، لزم الدّور ، وإن كان موجده ممكنا ثالثا ،
__________________
٣ ـ أنّ الإمكان هو السّبب الوحيد لاحتياج الممكن إلى فاعل ، أي : انّ طبيعة الممكن بذاتها تستدعي الاحتياج إلى موجد ، وكما أنّ وجود الممكن يحتاج إلى علّة ، فبقاؤه واستمراره يحتاج إلى علّة أيضا ، لأنّ سبب الحاجة إلى موجد هو الإمكان ، ولكنّ علّة الإيجاد هي بنفسها علّة البقاء.
٤ ـ أنّ وجود الممكن ليس بأولى من عدمه ، ولا عدمه أولى من وجوده ، فالنّسبة إلى طرفي الوجود والعدم متساوية ، وكلّ منهما مفتقر إلى سبب ، غير أنّ سبب الوجود توافر المؤثّرات الخارجيّة ، وسبب العدم فقدان تلك المؤثّرات ، وبكلمة : إنّ عدم السّبب ، سبب العدم ، معالم الفلسفة الاسلامية : ٣٨.
(١) الفرق بين الممكن والممتنع : أنّ كلّا منهما معدوم ، ولكنّ الأوّل معدوم غير قابل للوجود ، والثّاني معدوم قابل له ، وبهذا يتميّز عن المستحيل الّذي لا يمكن وجوده بحال ؛ فالممكن له حظ من الوجود ، على العكس من الممتنع. والفرق بين واجب الوجود وممكن الوجود : أنّ كلّا منهما موجود ، لكنّ الأوّل موجود بذاته ، والثّاني بعلّته. معالم الفلسفة الاسلاميّة : ٣٧.
(٢) «ج» : أو.
(٣) «ج» : الوجود.