الأولى : انّه صدر عنه (١) أفعال محكمة متقنة ، وهي مقدّمة حسّيّة معلومة بالضّرورة لمن تأمّل مخلوقاته من : السّماوات ، وما خلق فيها من الشّمس ، والقمر ، والكواكب ، وما يترتّب على طلوع الشّمس من وجود النّهار ، وما يترتّب على غروبها من وجود اللّيل ، وما يترتّب على قربها من رءوسنا من حرّ الزّمان الّذي بسببه يحصل إنضاج الثّمار ، واشتداد الزّرع ، وتنشيف الأرض من الماء (٢) ، ليمكن زرعها ، وتقليل الرّطوبات من الأبدان حتّى لا تستولى عليها الرّطوبات فتفسدها ، وما يترتّب على بعدها من رءوسنا من برد الزّمان الّذي بسببه تكثر الأمطار والأنداء ، ليحصل بذلك التّمكّن من الزّرع ، وتنمية الثّمار والأشجار ، وترطيب الأبدان حتّى لا تستولي عليها اليبوسة فتفسدها.
ومن حكمته تعالى : أنّه لم يجعل الزّمان كلّه حرّا (٣) ، وإلّا أدّى إلى تحليل الأجساد ، فناء رطوباتها ، ولم يجعله كلّه باردا (٤) ، وإلّا أدّى إلى جمود الأجساد ، واستيلاء الرّطوبات عليها ، فيؤدّي إلى فسادها ، وتعذّر الحركة عليها ، ولم يجعل بعضه حارّا في الغاية ، وبعضه باردا في الغاية ، وإلّا لزم الخروج من ضدّ إلى ضدّ ، فتحصل منه نكاية عظيمة في الأجساد (٥) ، بل اقتضت حكمته [تعالى] أن جعل الزّمان قسما حارّا في الغاية ، وقسما يليه معتدلا في الحرارة والبرودة ، فلا تحصل منه نكاية في الأجساد ، وبعده قسم بارد في الغاية ، وبعده قسم معتدل ، وهي : الفصول الأربعة للسّنة.
__________________
(١) «ج» : منه :
(٢) «ج» : المياه.
(٣) «ج» : حارّا.
(٤) «ج» : بردا.
(٥) «ج» : الأجسام.