من كان كذلك كان عالما بالضّرورة.
أقول : من صفاته الثّبوتيّة : كونه تعالى عالما ، والعالم ، هو : المبيّن للأشياء تبيينا يصحّ معه إيقاع الفعل متقنا محكما ، ومعنى الفعل المحكم ، هو : الفعل الّذي يكون مطابقا للمنفعة المقصودة منه ، أو الّذي يترتّب أثره عليه ؛ كما يقال : هذه سكّين محكمة ، بمعنى : أنّها مطابقة للمنفعة المقصودة منها ، وهي : قطع ما تلاقيه ، أو : قلم محكم ، بمعنى : انّه مطابق للمنفعة المقصودة منه ، وهي : الكتابة ، وترتيب أثر كلّ واحد منهما عليه ، وهو : القطع والكتابة. وكذلك إذا قلنا : هذه كتابه متقنة ، بمعنى أنّها على الوجه المرتّب (١) ، المصطلح عليه.
والدّليل [على] انّه تعالى عالم : هو أن نقول (٢) : الباري تعالى صدر عنه أفعال محكمة متقنة (٣) ، وكلّ من صدر عنه [أفعال محكمة متقنة] (٤) ، يجب أن يكون عالما ؛ فالباري يجب أن يكون عالما ، فها هنا مقدّمتان :
__________________
(١) «ج» : المترتّب.
(٢) «ج» : يقول.
(٣) اختلفوا : هل يفعل الله لغرض وحكمة ، أو يفعل دون أيّ موجب للفعل؟
قال الأشاعرة : يستحيل أن تكون أفعال الله معلّلة بالأغراض والمقاصد. واستدلّوا :
أوّلا : بأنّ الله لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء ، إذن لا يجب أن يكون لفعله غرض ، كما أنّه لا يقبح منه الفعل بلا غرض.
ثانيا : انّه لو فعل لغرض ، من جلب مصلحة أو دفع مفسدة ، لكان محتاجا إلى استكمال ذاته بتحصيل الغرض ، والله سبحانه يستحيل عليه الاحتياج.
وقال الإماميّة والمعتزلة : إنّ كلّ فعل لا يقع لغرض ، فهو عبث ، والله منزّه عن العبث واللّغو. أمّا قول الأشاعرة بأنّ الفعل لغرض يستدعي الاحتياج والنّقصان ، فجوابه : أنّ هذا يتمّ لو كان الغرض والنّفع عائدا إلى الله ، أمّا إذا عاد إلى العبد ونظام الكائنات حسبما تقتضيه المصلحة ، فلا يلزم شيء من ذلك ، وقد جاء في الآية ١٦ من سورة الأنبياء : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) معالم الفلسفة الإسلاميّة : ١٠٣.
(٤) «ج» : فعل متقن محكم.