قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى واحد ، لأنّه لو كان معه إله آخر ، لزم المحال ، لأنّه لو أراد أحدهما حركة جسم وأراد الآخر تسكينه : فإمّا أن يقعا معا ، وهو محال ، وإلّا لزم اجتماع المتنافيين ، وإمّا أن لا يقعا معا ، فيلزم خلوّ الجسم عن الحركة والسّكون [وهو باطل بالضّرورة] ، [وإمّا أن] (١) يقع [مراد] أحدهما دون الآخر ، وهو ترجيح من غير مرجّح.
أقول : الواحد : هو المتفرّد (٢) بصفات ذاتيّة لا يشاركه فيها غيره ، وهي : وجوب الوجود ، والقدم ، وإيجاد الخلق ، واستحقاق العبادة.
والدّليل على أنّه تعالى واحد : من العقل والنّقل ، لأنّ النّقل يصحّ الاستدلال به على إثبات هذه الصّفة ، لأنّ كلّ صفة لا تتوقّف صحّة النّقل عليها ، يصحّ إثباتها بالعقل والنّقل ؛ كهذه الصّفة ، ونفي الرّؤية عنه تعالى ، وما يتوقّف صحّة النّقل عليه ، مثل : كونه قادرا عالما حكيما لا يصحّ إثباته بالنّقل ، بل بالعقل خاصّة.
[و] أمّا الدّليل العقليّ على كونه واحدا ؛ فهو أن نقول (٣) : لو لم يكن واحدا ، لكان أزيد من ذلك ، ولو كان معه إله آخر ، لكان كلّ واحد منهما موصوفا بما يتّصف به الآخر من صفات الإلهيّة ، فجاز أن يخالف مراد أحدهما مراد الآخر ، وإذا كان كذلك جاز أن تتعلّق إرادة أحدهما بإيجاد جسم معيّن ؛ كزيد ساكنا ، وتتعلّق إرادة الآخر بإيجاده متحرّكا ، فلا يخلو الواقع من ثلاثة أمور :
إمّا أن يقع مرادهما معا ـ وهو محال ، وإلّا لزم كون الجسم الواحد في الزّمان الواحد ساكنا متحرّكا ، وهو جمع بين المتنافيين ـ وهما الحركة والسّكون اللّذان هما
__________________
(١) «ج» : أو.
(٢) «ج» : المنفرد.
(٣) «ج» : يقول.