وقولنا : المطابق للدّعوى ، بمعنى أنّه يكون موافقا لدعواه ، وفيه احتراز عمّا لا يكون مطابقا للدّعوى ؛ كما نقل عن مسيلمة الكذّاب أنّه قيل له : أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله تفل في بئر ففاض ماؤها ، فقال : أنا أفعل كذلك ، وأتى إلى بئر وفيها ماء فتفل فيها ، فغاض (١) ماؤها (٢). فإنّه أمر خارق للعادة ، لكنّه غير مطابق لدعواه ، بل تكذيب له فيما ادّعاه.
وقولنا : المتعذّر على الخلق الإتيان به (٣) ، وذلك لأنّه من فعل الله تعالى وممّا اختصّ (٤) بالاقتدار عليه.
والتّعذّر : إمّا في جنسه ؛ كإحياء الموتى ، أو في وصفه (٥) ؛ كفصاحة القرآن ، وقلع المدينة ؛ فنقول :
نبيّنا [محمّد] صلىاللهعليهوآلهوسلم ظهر على يده كثير من المعجزات ، ومن جملتها : القرآن المجيد ، وهو معجز ، لأنّه تحدّى به العرب ، ومعنى التّحدّي : هو أن يطلب منهم الإتيان بمثل ما أتى به ، فإنّه ادّعى النّبوّة ، وقال : (معجزتي هذا القرآن ، فإن صدقتموني فيما أقول فاتّبعوني وإن لم تصدّقوني فاتوا بمثل هذا القرآن ، حتّى تنقطع حجّتي عليكم) (٦) وكانوا حريصين على إبطال قوله ، فلمّا لم يأتوا بمثل هذا القرآن وعدلوا عن المعارضة إلى حربه ومقاتلته المؤدّي إلى قتلهم ، وسبي حريمهم ، وأطفالهم ، وأخذ أموالهم ، دلّ على عجزهم عن ذلك ؛ فإنّ العاقل إذا خاف أمرا ، ويدفع (٧) بالأمر الأسهل ، لا يعدل عنه إلى الأشق ؛ فدلّ على أنّ تركهم
__________________
(١) غاض الماء يغيض غيضا ، أي : قلّ ونضب. المصباح المنير ٢ : ٤٥٩ ، صحاح اللّغة ٣ : ١٠٩٦ (مادّة غيض).
(٢) بحار الأنوار ١٨ : ٢٨.
(٣) «ج» : بمثله.
(٤) «ج» : خصّ.
(٥) «ج» : صفته.
(٦) بعد التّتبّع الكثير ، لم أعثر على هذا الحديث من المصادر الحديثيّة المتوفّرة عندنا.
(٧) «ج» : واندفع.