فاتحة نقد المحصل حيث قال قدسسره العزيز : فإن أساس العلوم الدينية علم أصول الدين الذي يحوم سائله حول اليقين ولا يتم بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه فإن الشروع في جميعها يحتاج إلى تقديم شروعه حتى لا يكون الخائض فيها وإن كان مقلدا لأصولها كبان على غير أساس ، وإذا سئل عما هو عليه لم يقدر على إيراد حجة أو قياس.
وفي هذا الزمان لما انصرفت الهمم عن تحصيل الحق بالتحقيق ، وزلت الأقدام عن سواء الطريق ، بحيث لا يوجد راغب في العلوم ولا خاطب للفضيلة ، وصارت الطباع كأنها مجبولة على الجهل والرذيلة ، اللهم إلا بقية يرمون فيما يرومون رمية رام في ليلة ظلماء ، ويخبطون فيما ينحون نحوه خبط عشواء ، ولم تبق في الكتب التي يتداولونها من علم الأصول عيان ولا خبر ، ولا من تمهيد القواعد الحقيقية عين ولا أثر ، سوى كتاب المحصل الذي اسمه غير مطابق لمعناه ، وبيانه غير موصل إلى دعواه ، وهم يحسبون أنه في ذلك العلم كاف وعن أمراض الجهل والتقليد شاف. والحق أن فيه من الغث والسمين ما لا يحصى والمعتمد عليه في إصابة اليقين بطائل لا يحظى ، بل يجعل طالب الحق بنظره فيه كعطشان يصل إلى السراب ، ويصير المتحير في الطرق المختلفة آيسا عن الظفر بالصواب ، رأيت أن أكشف القناع عن وجوه أبكار مخدراته وأبين الخلل في مكامن شبهاته ، وأدل على غثه وسمينه ، وأبين ما يجب أن يبحث عنه من شكه ويقينه. وإن كان قد اجتهد قوم من الأفاضل في إيضاحه وشرحه ، وقوم في نقض قواعده وجرحه ، ولم يجر أكثرهم على قاعدة الإنصاف ولم تخل بياناتهم عن الميل والاعتساف ، إلخ.
فكلماته المنبئة عما جرى على الناس من الزيغ والالتباس حتى اعتنوا على غير المحصل وبنوا كبان على غير أساس ، تدلك على أن التجريد حرر بعد النقد نسخا للمحصل لتحصيل الحق بالتحقيق وإزهاق الباطل بالحقيق ووزان التجريد إلى المحصل وزان شرحه على كتاب إشارات الشيخ إلى شرحه عليه فقد قال في أوله بما فعله بشرحه عليه ما هذا لفظه : فهو بتلك المساعي لم يزده إلا قدحا ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه جرحا.
والكتابان الكشف وشرح الخواجه على الإشارات قد تناولتهما أيادي أرباب العلوم