قال : والمركب إنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج وهو علة الغنى عن السبب فباعتبار الذهن بين وباعتبار الخارج غني فتحصل خواص ثلاث واحدة متعاكسة واثنتان أعم.
أقول : المركب هو الذي تلتئم ماهيته عن عدة أمور فبالضرورة يكون تحققه متوقفا على تحقق تلك الأمور والمتوقف على الغير متأخر عنه فالمركب متأخر عن تلك الأمور فيتأخر عن كل واحد منها فكل واحد منها موصوف بالتقدم في طرف الوجود ثم إذا عدم أحدها لم تلتئم تلك الأمور فلا تحصل الماهية فيكون عدم أي جزء كان من تلك الأمور علة لعدم المركب والعلة متقدمة على المعلول فكل واحد من تلك الأمور موصوف بالتقدم في طرف العدم أيضا فقد ظهر أن جزء الحقيقة متقدم عليها في الوجود والعدم ثم إن الذهن مطابق للخارج فيجب أن يحكم بالتقدم في الوجود الذهني والعدم الذهني فقد تحقق أن المركب إنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج.
إذا عرفت هذا فنقول هذا التقدم الذي هو من خواص الجزء يستلزم استغناء الجزء عن السبب الجديد ، لسنا نقول إنه يكون مستغنيا عن مطلق السبب فإن فاعل الجزء هو فاعل الكل وذلك لأن المتقدم لا يعقل احتياجه إلى علة متأخرة عن المتأخر عنه بل ولا خارجة عن علة المركب فإن علة كل جزء داخلة في علة الكل فإذا اعتبر هذا التقدم بالنسبة إلى الذهن فهو البين وإذا اعتبر بالنسبة إلى الخارج فهو الغني عن السبب وهذه الخاصة أعم من الخاصة الأولى لأن الأولى هي الحصول الموصوف بالتقدم والثانية هي الحصول المطلق ولهذا قيل لا يلزم من كون الوصف بين الثبوت للشيء وكونه غنيا عن السبب الجديد كونه جزءا.
فقد حصل لكل ذاتي على الإطلاق خواص ثلاث : الأولى وجوب تقدمه في الوجودين والعدمين وهذه متعاكسة عليه. الثانية استغناؤه عن السبب الجديد. الثالثة امتناع رفعه عما هو ذاتي له وهاتان الخاصتان إضافيتان أعم منه لمشاركة بعض اللوازم له في ذلك.