الكثيرة ، فإذا اصيب الانسان في حياته بظروف قاسية سببت تأخر مسيرته العلمية أو العملية فقد يصاب بمرض القلق والتوتر النفسي ، ومن طرق العلاج لمثل هذا المرض هو عملية التلقين النفسي بأن يتحدث مع نفسه بألفاظ التشجيع والتحضيض والدفع لمواصلة مسيرته .
فعملية التلقين لم يكن المقصود بها اخطار المعاني في الذهن لخطور هذه المعاني مسبقاً قبل الألفاظ فتحصيلها باللفظ من باب تحصيل الحاصل وهو محال ، ولم يكن المقصود بها تفهيم الآخرين لأن الخطاب مع النفس لا مع الغير ، بل المقصود في تلقين النفس كفاءتها وقدرتها ، وحينئذٍ لو كانت علاقة اللفظ بالمعاني التشجيعية علاقة السببية لم يكن هناك حاجة للتلفظ ، لكن ادراك المتكلم اندماج صورة المعنى في صورة اللفظ بحيث أنه إذا احضر اللفظ فقد احضر المعنى التشجيعي للنفس هو الذي دفعه للتلفظ ، حيث أن علاج مرضه في المعنى لا في اللفظ فلولا حضور المعنى بحضور اللفظ لما تمت عملية التلقين .
وكذلك أساليب الترويح عن النفس أو تأليمها أو توبيخها أو تفريحها من خلال التلفظ بألفاظ الألم والفرح كاشف عن شعور وجدان المتكلم بهوهوية صور الألفاظ وصور المعاني ، وحضور المعاني بحضور اللفظ على نحو الاندماج والاتحاد ، وكون المعنى ماهية أخرى قد اكتسبها اللفظ مع ماهيته التكوينية كما سبق بيانه .
الشاهد الخامس : سراية الحسن والقبح من المعنى إلى اللفظ .
مما لا ريب فيه وجداناً الشعور بكراهة بعض الألفاظ كلفظ هتلر ويزيد لقبح معانيها واستحسان بعض الألفاظ الأخرى كالحسن وعلي ومحمد لحسن معانيها ، فلولا علاقة الاندماج بين اللفظ والمعنى واتحاد صورتيهما لما سرى الحسن والقبح من المعنى الى اللفظ .