فإن قلت : إن وجود الزمان بنحو الحركة القطعية أمر وهمي تقوم بصياغته القوة المتخيلة عند الانسان ، كما تقوم المتخيلة برسم النقطة النازلة بخط مستقيم بصورة خط مائي مستقيم ، وبرسم الشعلة الجوالة دائرة نارية متصلة .
ومما يدلنا على موهومية الزمان بنحو الحركة القطعية حكم العقل النظري بأن المركب لا يوجد الا بوجود أجزائه بالأسر ، فإن عنوان الكل هو نفس عنوان الأجزاء بالأسر فما لم تجتمع هذه الأجزاء فحينئذٍ لا يوجد الكل المركب منها .
وبناءاً على ذلك فإن الحركة القطعية في الزمان لا وجود لها ، لأن الجزء الزماني اذا وجد فهو موجود بحده الخاص الذي به يتميز عن بقية الأجزاء الزمانية وهو بهذا الحد لا يكون وجوداً للكل للتغاير المفهومي والوجودي بينهما ، ولذلك لا يصح حمل الكل عليه الا تجوزاً ، والمفروض أن وجود بقية الأجزاء مستحيل ما دام هذا الجزء موجوداً ، لأن الزمان كم تدريجي غير قار الذات فما لم ينصرم الجزء السابق فيستحيل وجود الجزء اللاحق ، وحينئذٍ يكون وجود الكل الزماني بوجود كل جزء مفروض التحقق وامتداد هذا الكل بامتداد هذه الأجزاء أمراً وهمياً تصنعه القوة المتخيلة عند الانسان .
قلت : أننا نعتقد كما يعتقد بعض الفلاسفة بواقعية الزمان الملحوظ على نحو الحركة القطعية ، وأما وجوده بوجود الجزء الزماني فلا مانع منه ، باعتبار أن الجزء إذا لوحظ بحده الخاص فهو مقيد بشرط لا عن بقية الأجزاء وبهذا اللحاظ يكون مغايراً للكل فلا يصح حمله عليه ولا وجوده بوجوده .
ولكنه اذا لوحظ بنحو اللابشرط ـ كما هو مقتضى جزئيته ـ فهو بذرة الكل الزماني ولبنة وجوده ، فالمركب إما دفعي الوجود فلا تحقق له الا بعد اجتماع اجزائه في الوجود كالكرسي والبيت ونحوها ، وإما تدريجي الوجود كالزمان والزماني السيال كالصلاة والخطبة ولا تحقق له الا بتدريجية أجزائه خارجاً فهو يتحقق بأول جزء من أجزائه المتصلة المتعاقبة ويمتد بامتدادها .