لو قال لرجل ادخل الدار فإنك صديقي فالمفهوم عرفاً من هذا الكلام أن الصداقة واسطة في العروض ، أي أن الحكم وهو جواز الدخول مترتب على عنوان الصديق أولاً وبالذات وإنما يتوجه للمخاطب باعتبار انطباق موضوع الحكم عليه ، فلو علم المخاطب بأنه ليس بصديق لصاحب الدار فلا يجوز له الدخول ، لأن موضوع الحكم هو عنوان الصديق الا أن صاحب الدار أخطأ في التطبيق وليس موضوع الحكم هو المخاطب حتى يجوز له الدخول على كل حال ، ولو قال له « ادخل الدار لأنك صديقي » فالمفهوم عرفاً من ذلك أن الصداقة واسطة في الثبوت ، أي أن موضوع الحكم بجواز الدخول هو ذات المخاطب لا عنوان الصديق وإنما الصداقة من دواعي الأذن بالدخول ، فهنا حتى مع علم المخاطب بعدم كونه صديقاً يجوز له الدخول ما دام هو الموضوع للحكم بالجواز .
ب ـ من الثمرات الأصولية التي تترتب على هذا البحث تفريق العلماء بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية ، حيث أن الحيثية التعليلية راجعة للواسطة في الثبوت والحيثية التقييدية راجعة للواسطة في العروض (١) ، ويرتبط بذلك جملة من البحوث ، منها : ما ذكروه من أن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية راجعة للحيثيات التقييدية ، فمثلاً حكم العقل بوجوب نصب السلم لأنه مقدمة للواجب راجع لحكمه بأن المقدمة واجبة ومن باب التطبيق على الفرد المذكور حكم بوجوبه ، لذلك لا مانع من اجتماع الاستحباب الذاتي مع الوجوب الغيري في المقدمة ، فالاستحباب الذاتي مثلاً للوضوء بما هو وضوء والوجوب الغيري له بما هو مقدمة ، ومع اختلاف الجهة فلا مانع من اجتماعهما .
__________________
(١) اجود التقريرات ١ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ .