الضرورة أنَّ الدواعي في الأولىٰ دونها في الثانية ، كما تجد هذا الفرق لائحاً بين معاجز النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فمنها ما لم يُنقل إلّا بأخبار آحاد ، ومنها ما تجاوز حدّ التواتر ، ومنها ما هو المتسالم عليه بين المسلمين بلا اعتناء بسنده ، وما ذلك إلّا لاختلاف موارد العظمة فيها أو المقارنات المحتفّة بها.
وأمّا ما ادّعاه ابن تيميّة من إهمال طبقات المصنِّفين لها فهو مجازفة أخرىٰ ؛ لما أسلفناه من رواية المصنِّفين لها من أئمّة العلم وحملة التفسير ، وحفّاظ الحديث ، ونقلة التاريخ الذين تضمّنت المعاجم فضائلهم الجمّة ، وتعاقب من العلماء إطراؤهم.
وإلى الغاية لم نعرف المشار إليه في قوله : بهذا الإسناد المنكر ، فإنّه لا ينتهي إلّا إلىٰ حذيفة بن اليمان ـ المترجم ( ص ٢٧ ) ـ الصحابيِّ العظيم ، وسفيان بن عيينة المعروف إمامته في العلم والحديث والتفسير وثقته في الرواية ـ المترجم ( ص ٨٠ ).
وأمّا الإسناد إليهما فقد عرفه الحفّاظ والمحدِّثون والمفسِّرون المنقِّبون في هذا الشأن ، فوجدوه حريّاً بالذكر والاعتماد ، وفسّروا به آيةً من الذكر الحكيم من دون أيِّ نكير ، ولم يكونوا بالذين يفسِّرون الكتاب بالتافهات. نعم ، هكذا سبق العلماء وفعلوا ، لكن ابن تيميّة استنكر السند ، وناقش في المتن ؛ لأنّ شيئاً من ذلك لا يلائم دعارة خطّته.
الوجه السادس : أنَّ المعلوم من هذا الحديث أنَّ حارثاً المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلاميّة ، ومن المعلوم بالضرورة أنَّ أحداً من المسلمين لم يصبه عذابٌ على العهد النبويّ.
الجواب :
إنَّ الحديث كما أثبت
إسلام الحارث فكذلك أثبت ردّته بردّه قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتشكيكه فيما أخبر به عن الله تعالىٰ ، والعذاب لم يأته علىٰ حين
إسلامه ، وإنَّما جاءه بعد الكفر والارتداد ، وقد مرّ ـ في ( ص ٢٤٥ ) ـ أنَّه بعد سماعه الحديث شكّ في
نبوّة