ما وسعته حيطته (١) ، وأحاط به اطِّلاعه ، ثمّ جاء المتأخِّر عنه فاستدرك علىٰ من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب وتضاعيف الآثار ، وأوفىٰ ما وجدناه من ذلك كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ، ومع ذلك فهو يقول في مستهلّ كتابه (٢) :
فإنّ من أشرف العلوم الدينيّة علم الحديث النبويِّ ، ومن أجلِّ معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ممّن خلف بعدهم ، وقد جمع في ذلك جمعٌ من الحفّاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه اطلاع كلٍّ منهم.
فأوّل من عرفته صنّف في ذلك أبو عبد الله البخاري ، أفرد في ذلك تصنيفاً ، فنقل منه أبو القاسم البغوي وغيره ، وجمع أسماء الصحابة مضمومةً إلىٰ من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه ، كخليفة بن خيّاط ، ومحمد بن سعد ، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان ، وأبي بكر بن أبي خيثمة.
وصنّف في ذلك جمعٌ بعدهم كأبي القاسم البغوي ، وأبي بكر بن أبي داود ، وعبدان ، ومن قبلهم بقليل كمطين ، ثمّ كأبي عليّ بن السكن ، وأبي حفص بن شاهين ، وأبي منصور الماوردي ، وأبي حاتم بن حبّان ، وكالطبراني ضمن معجمه الكبير ، ثمّ كأبي عبد الله بن مندة ، وأبي نعيم ، ثمّ كأبي عمر بن عبد البَرّ ، وسمّىٰ كتابه الاستيعاب ؛ لظنِّه أنَّه استوعب ما في كتب من قبله ، ومع ذلك ففاته شيءٌ كثير ، فذيّل عليه أبو بكر ابن فتحون ذيلاً حافلاً ، وذيّل عليه جماعة في تصانيف لطيفة ، وذيّل أبو موسى المَدِيني على ابن مندة ذيلاً كبيراً.
وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممّن صنّف في ذلك ـ أيضاً ـ إلىٰ أن كان في أوائل القرن السابع ، فجمع عزّ الدين بن الأثير كتاباً حافلاً سمّاه أُسد الغابة ،
___________________________________
(١) كذا.
(٢) الإصابة : ١ / ٢ ـ ٤.