فلما التقوا جعل أصحاب عليّ يقولون : لا خَمْسَ إلّا جندل الإِحَرِّين» هكذا رواه الهروى. والذى ذكره الخطّابى : أنّ حبّة العرني قال : شهدنا مع عليّ يوم الجمل ، فقسم ما في العسكر بيننا ، فأصاب كلّ رجل منّا خمسمائة. فقال بعضهم يوم صفّين :
قلت لنفسى السّوء لا تَفِرِّين |
|
لا خَمْسَ إلّا جندل الإِحَرِّين |
قال ورواه بعضهم :
لا خِمْس ...
، بكسر الخاء ، من وِرد الإبل ، والفتح أشبه بالحديث. ومعناه : ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة. والإِحَرِّين : جمع الحَرَّة ، وهى الأرض ذات الحجارة السّود ، وتجمع على حَرٍّ ، وحِرَار ، وحَرَّات ، وحَرِّين ، وإِحَرِّين ، وهو من الجموع النادرة كثُبِين وقُلِين ، في جمع ثُبَة وقُلَة ، وزيادة الهمزة في أوّله بمنزلة الحركة في أرضين ، وتغيير أوّل سنين. وقيل : إنّ واحد إِحَرِّين : إِحَرَّة (١).
وفي حديث جابر رضى الله عنه «فكانت زيادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم معى لا تفارقنى حتى ذهبت منّى يوم الحَرَّة» قد تكرّر ذكر الحَرَّة ويومها في الحديث ، وهو يوم مشهور فى الإسلام أيام يزيد بن معاوية ، لما انتهب المدينة عسكره من أهل الشام الذين ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين ، وأَمَّرَ عليهم مسلم بن عقبة المُرِّي في ذى الحجة سنة ثلاث وستين ، وعقيبها هلك يزيد. والحَرَّة هذه : أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة ، وكانت الوقعة بها.
(س) وفيه «إنّ رجلا لطم وجه جارية ، فقال له : أعجز عليك إلّا حُرُّ وجهها» حُرُّ الوجه : ما أقبل عليك وبدا لك منه. وحُرُّ كل أرض ودار : وسطها وأطيبها. وحُرُّ البقل والفاكهة والطّين : جيّدها.
[ه] ومنه الحديث «ما رأيت أشبه برسول الله صلىاللهعليهوسلم من الحسن ، إلّا أنّ النبى صلىاللهعليهوسلم كان أَحَرَّ حسنا منه» يعنى أرقّ منه رقّة حسن.
(ه) وفي حديث عمر رضى الله عنه «ذُرِّي وأنا أُحِرُّ لك» يقول ذرّى الدّقيق لأتّخذ لك منه حَرِيرَة. والحَرِيرَةُ : الحسا المطبوخ من الدّقيق والدّسم والماء. وقد تكرر ذكر الحَرِيرَةِ في أحاديث الأطعمة والأدوية.
__________________
(١) في اللسان : قال ثعلب : إنما هو الأحرّين ، جاء به على أحر ، كأنه أراد هذا الموضع الأحر ، أى الذى هو أحر من غيره. فصيره كالأكرمين والأرحمين.