وفي حديث عائشة رضى الله عنها «وقد سئلت عن قضاء صلاة الحائض فقالت : أحَرُورِيَّةٌ أنت» الحَرُورِيَّةُ : طائفة من الخوارج نسبوا إلى حَرُورَاء بالمدّ والقصر ، وهو موضع قريب من الكوفة ، كان أوّل مجتمعهم وتحكيمهم فيها ، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علىّ كرم الله وجهه. وكان عندهم من التّشدّد في الدين ما هو معروف ، فلما رأت عائشة هذه المرأة تشدّد في أمر الحيض شبّهتها بالحَرُورِيَّةِ وتشدّدهم في أمرهم ، وكثرة مسائلهم وتعنّتهم بها. وقيل أرادت أنها خالفت السّنّة وخرجت عن الجماعة كما خرجوا عن جماعة المسلمين. وقد تكرر ذكر الحرورية في الحديث.
(س) وفي حديث أشراط الساعة «يُسْتَحَلُ الحِرُ والحَرِيرُ» هكذا ذكره أبو موسى في حرف الحاء والراء ، وقال : الحِرُ بتخفيف الراء : الفرج ، وأصله حرح بكسر الحاء وسكون الراء ، وجمعه أحراح. ومنهم من يشدّد الراء وليس بجيّد ، فعلى التخفيف يكون في حرح ، لا في حرر. والمشهور في رواية هذا الحديث على اختلاف طرقه «يستحلّون الخزّ» بالخاء المعجمة والزّاى ، وهو ضرب من ثياب الإبريسم معروف ، وكذا جاء في كتابى البخارى وأبى داود ، ولعلّه حديث آخر ذكره أبو موسى ، وهو حافظ عارف بما روى وشرح ، فلا يتّهم. والله أعلم.
(حرز) ـ في حديث يأجوج ومأجوج «فَحَرِّزْ عبادى إلى الطّور» أى ضُمَّهُم إليه ، واجعله لهم حِرْزاً. يقال : أَحْرَزْتُ الشيءَ أُحْرِزُهُ إِحْرَازاً إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ.
ومنه حديث الدعاء «اللهم اجعلنا في حِرْزٍ حَارِزٍ» أى كهفٍ منيعٍ. وهذا كما يقال : شِعْرٌ شَاعِرٌ ، فأجرى اسم الفاعل صفة للشّعر ، وهو لقائله ، والقياس أن يقول حِرْزٍ مُحْرِزٍ ، أو حِرْزٍ حَرِيزٍ ، لأن الفعل منه أَحْرَزَ ، ولكن كذا روي ، ولعله لغة.
(ه) ومنه حديث الصدّيق «أنه كان يوتر من أوّل الليل ويقول :
وا حَرَزَا وأبتغى النّوافلَا
ويروى
«أَحْرَزْتُ نهبي وأبتغي النّوافل»
يريد أنه قضى وتره ، وأمن فواته ، وأَحْرَزَ أجره ، فإن استيقظ من الليل تنفّل ، وإلا فقد خرج من عهدة الوتر. والحَرَزُ بفتح الراء : المُحْرَزُ ، فَعَلٌ بمعنى مُفْعَلٍ ، والألف في وا حَرَزَا منقلبة عن ياء الإضافة ، كقولهم يا غلاما أقبل ، في يا غلامى ، والنّوافل : الزّوائد. وهذا مثل للعرب يضرب لمن ظفر بمطلوبه وأَحْرَزَهُ ثم طلب الزيادة.