إلى مجىء الشّر عند ذهاب أهل الخير ، فإنه لما كان بين أظهرهم كان يبيّن لهم ما يختلفون فيه ، فلما توفّى جالت الآراء واختلفت الأهواء ، فكان الصحابة رضى الله عنهم يسندون الأمر إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم في قول أو فعل أو دلالة حال ، فلما فقد قلّت الأنوار وقويت الظّلم. وكذلك حال السماء عند ذهاب النّجوم. والأَمَنَةُ في هذا الحديث جمع أَمِين وهو الحافظ.
وفي حديث نزول المسيح عليهالسلام «وتقع الأَمَنَةُ في الأرض» الأَمَنَة هاهنا الأمن ، كقوله تعالى «إذ يغشاكم النُّعاسُ أَمَنَةً مِنْهُ» يريد أن الأرض تمتلئ بالأمن فلا يخاف أحد من الناس والحيوان.
(ه) وفي الحديث «المؤذّن مُؤْتَمِنٌ» [مُؤْتَمَنٌ](١) القوم : الذى يثقون إليه ويتّخذونه أمينا حافظا. يقال اؤْتُمِنَ الرجل فهو مُؤْتَمَنٌ ، يعنى أن المؤذّن أَمِين الناس على صلاتهم وصيامهم.
وفيه «المجالس بالأَمَانَة» هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجرى في المجلس من قول أو فعل ، فكأنّ ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه. والأَمَانَةُ تقع على الطّاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان ، وقد جاء في كل منها حديث.
(ه) وفيه «الأَمَانَةُ غنى» أى سبب الغنى. ومعناه أن الرجل إذا عرف بها كثر معاملوه فصار ذلك سببا لغناه.
وفي حديث أشراط الساعة «والأَمَانَةُ مغنما» أى يرى من في يده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة قد غنمها.
وفيه «الزرع أَمَانَةٌ والتّاجر فاجر» جعل الزّرع أمانة لسلامته من الآفات التى تقع في التّجارة من التّزيّد في القول والحلف وغير ذلك.
(س) وفيه «أستودع الله دينك وأَمَانَتَكَ» أى أهلك ومن تخلّفه بعدك منهم ، ومالك الذى تودعه وتستحفظه أمينك ووكيلك.
(س) وفيه «من حلف بِالْأَمَانَةِ فليس منّا» يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته. والأَمَانَةُ أمر من أموره ، فنهوا عنها من أجل التّسوية بينها وبين أسماء
__________________
(١) الزيادة من اللسان.