تركناه فهو صدقة " : وما يخفى على ذوي البصائر إن هذا حديث محال قالوه ليدفعوا به حق فاطمة عليها السلام عن ميراث أبيها ، وإلا فإن كتابهم يتضمن " وورث سليمان داود " (١) ويتضمن أن زكريا قال " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " (٢) فكيف استحسنوا لأنفسهم أن يبلغوا في الرد على كتاب ربهم ونبيهم إلى هذه الغاية من المكابرة.
ومن طريف ذلك قبول هذا ممن رواه ونقله في الأخبار ، وهذه كتب التواريخ وسير الأنبياء تشهد أن الأنبياء كانوا في المواريث أسوة لأمتهم فيما توجبه شرائعهم ، ولو قال قائل هذا الحديث عن نبيهم : أنا من دون الأنبياء لا أورث ما تركته فهو صدقة. كان فيه بعض الحيلة على منع فاطمة عليها السلام عن ميراثها وكان أقوى في التمويه والمحال ، ولعل البغي منهم عليها منعهم من هذا الحال.
ومن طريف ذلك أن كتابهم يتضمن " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وقد تقدمت رواياتهم أن فاطمة عليها السلام بنت نبيهم من جملة أهل البيت المشار إليهم ، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك ، ومن المعلوم عند كل عاقل أن هذه الآية تقتضي حصول إزالة الرجس عنها وتطهيرها وإلا ما كان يحصل بذلك لأهل البيت مزية غيرهم ، لأن الله تعالى يريد إذهاب الرجس عن جميع الخلايق وتطهير جمع الأمة.
ومن طريف ذلك أن نبيهم محمدا " ص " قال : من أغضبها فقد أغضبني ومن آذاها فقد آذاني كما تقدم ، وذلك يقتضي أن لا يقع منها ما يستحق به عقابا ولا عتابا ، لأنه لو جاز أن يقع منها ذلك أذيتها بالعقاب واجبة أو جائزة ويحصل بذلك غضبها وأذيتها اللذان هما غضب نبيهم وأذيته ، فثبت أنه لا يقع
__________________
(١) النمل : ١٦.
(٢) مريم : ٦.