فمنها في الكتاب المذكور في كتاب الرجاء والخوف في أواخر قول الغزالي بيان أقسام الخوف بالإضافة إلى ما يخاف منه ، فقال الغزالي في تشبيه عدم رحمة الله بعباده وقسوته عليهم وقلة مبالاته بهلاكهم ما هذا لفظه : إن السبع يخاف لا لجناية سبقت إليه منك بل لصفته وبطشته وسطوته وكبره وهيبته ، ولأنه يفعل ما يفعل ولا يبالي ، فإن قتلك لم يرق قلبه ولا يتألم بقتلك وإن خلاك لم يخلك شفقة عليك وإبقاء على روحك بل أنت عنده أخس من أن يلتفت إليك حيا كنت أو ميتا ، بل إهلاك ألف مثلك وإهلاك نملة عنده على وتيرة واحدة، إذ لا يقدح ذلك في عالم سبعيته وما هو موصوف به من قدرته وسطوته ، ولله المثل الأعلى ، ولكن من عرفه عرف بالمشاهدة الباطنة التي هي أقوى وأوثق وأجلى من المشاهدة الظاهرة أنه صادق في قوله : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ، ويكفيك من موجبات الهيبة والخوف المعرفة بالاستغناء وعدم المبالاة (١).
(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى هذا الخبر الذي قد تلقاه هذا الشيخ الموصوف بالعقل والفضل بالقبول ، ثم ما كفاه ذلك حتى ادعى أنه يعلم ذلك بالباطن ، وما أدري كيف التبس بطلان الخبر عليه وعلى هؤلاء الأربعة المذاهب وكل العقلاء مجمعون مع اختلاف مللهم وعقائدهم إن الله تعالى أرحم الراحمين ، وشهد المسلمون أن الأنبياء يشهدون أن الله أرحم الراحمين ، فمن ذلك في كتابهم قول موسى عليه السلام " رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين " (٢).
ومن ذلك قول يوسف عليه السلام " اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " (٣)
__________________
(١) إحياء علوم الدين : ٤ / ١٥٩ ـ ١٦٠.
(٢) الأعراف : ١٥١.
(٣) يوسف : ٩٢.