والعلم والشك واليقين والظن والعلم أفعال ، فمن هذا الجاهل ومن هذا الشاك ومن هذا الظان؟ فإن قلتم إنه ربكم فقد كفرتم تحقيقا وصار كل منكم بهذا الاعتقاد زنديقا ، وإن قلتم إنه العبد ـ وهو الحق ـ فقد تركتم مذهبكم ورجعتم إلى الصدق.
ومن عجيب ما يقحم به المجبرة أن يقال لهم : قد أطبق أهل العقل والفضل من سائر أهل الملل على أن الوجود مشتمل على عبد ومعبود وأن العبد مشتق من التعبد والتذلل لمعبوده ، وإذا كان جميع الأعمال والعبادات من فعل الله تحقيقا فأين العبد أيها الجاهلون فلا يبقى على قولهم في الوجود سوى الله تعالى وفعله وذهبت بل استحال الحقيقة للعبد.
(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : ولعل بعض من يقف على المبالغة مني في الرد على المجبرة الذين يقولون إنه لا فاعل سوى الله تعالى ليقول أو يتوهم إن هذا الاعتقاد لا يعتقد أحد منهم أو يعتقد عوامهم ، وسوف أذكر ما ذكره أعظم علمائهم من الاعتقاد في بألفاظه.
فمن ذلك محمد الخطيب الرازي وهو من أعظم علمائهم مذهبه إنه لا يخرج إلى الوجود شئ إلا بقدرة الله تعالى وإن الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، وقد وقفت على ما وصل إلينا من تصانيفه فوجدتها جميعا تشهد بذلك وقد ذكر في كتاب الأربعين وكان قد صنفه لولده العزيز فقال فيه ما هذا لفظه : المسألة الثالثة والعشرون في أنه لا يخرج شئ من العدم إلى الوجود إلا بقدرة الله تعالى (١). هذا لفظه.
ثم شرع يتحدث في ذلك ويريد تصحيحه ولا ينكر في أنه على قوله يريد النقض على الله بالله والنقص على الله بالله سبحانه وتعالى ، لأنه شرع أن المسألة فيها
__________________
(١) الأربعين : ٢٣٧.