في آخر كتب المهور أن هذا القادر صالح والقادر هو المختار ، ثم إذا جرى حديث عقيدتهم أنكروا ما قد أقروا به وجحدوا ما اعترفوا بإثباته وادعوا إن المقرين مجبرون ومكرهون وما لهم اختيار ولا فعل ، ولا يفكرون في هذه المناقضات ولا لهم من يغافلهم عليها.
ومن طرائف ما يلزم الرازي وأهل مذهبه القائلين بأنه لا فاعل سوى الله تعالى أن يكون قولهم مثل قول النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام والنصيرية في علي بن أبي طالب عليه السلام ، لأن عقلاء النصارى وعقلاء النصيرية ما كان يخفى عنهم إن لحم عيسى ولحم علي عليه السلام وعظمهما وجسدهما هو الله جل جلاله ، ولا أن الله تعالى صورة مجسمة ، بل لما رأوا الأعمال الصادرة عن عيسى وعلي عليه السلام الخارقة للعادات يستحيل وقوعها من نفس البشر وإنها أفعال إله قادر بالذات ، فنسبوا تلك الأفعال الصادرة من عيسى وعلي عليه السلام إلى أنها فعل الله تعالى ، فيلزمهم التصديق للنصارى والنصيرية في أن أفعال عيسى وأفعال علي عليه السلام فعل الله تعالى ولا فاعل سوى الله تعالى الذي يستحق العبادة.
فهل ترى قول الرازي وأهل مذهبه في أنه لا فاعل سوى الله إلا قول النصارى والنصيرية وإن حالهم كحالهم.
ومن عجيب ما بلغني أن محمد بن الخطيب الرازي المذكور تحدى يوما على علماء العالمين وأعجبته نفسه لحفظه للألفاظ وصياغته للمباني ، وما أدري أنه ليس كل من حفظ لفظا عرف معناه واستوفاه ، وقد سمى الله تعالى الذين حفظوا الألفاظ ولم يراعوا المعاني بالحمار فقال " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " (١).
__________________
(١) الجمعة : ٥.