الأعداء وقد جنى عليهم هذه الجناية وفوتهم من يعتقدون أنه أعدى عدو لهم ، وكان سبب هجرته وسلامته منهم.
ثم العجب أنه ما يكفيه إقامته حتى أصبح بينهم ظاهرا ساكنا ثابت الجنان مع خذلان البشر له وقلة الأعوان ، ويكون مع ذلك على صفة قوة القلب واللسان ، حتى أن الكفار لما هجموا عليه ولم يجدوا النبي (ص) وسألوه عنه فما قال ما أدري أين مشى كما يقوله المعتذر الخائف. بل قال في حفظ الله تعالى كأنه قصد إظهار العداوة لهم والقوة عليهم ثقة بالله وتثبيتا لمقام النبوة وكسر شوكة الكفار والرد عليهم في مثل ذلك الوقت الهائل ، أن هذا مما يتعجب منه كل عاقل.
ثم العجب أنه ما كفاه ذلك كله حتى يقيم ثلاثة أيام بمكة بعد النبي (ص) يرد الودائع ويقضي الديون ويجهز عياله ويسد مسده ويحمل حرمه إلى المدينة بقلب راسخ ورأي شامخ ، أن هذا مما يعجز عنه قوة الطباع البشرية إلا بمواد قوية من القدرة الإلهية. فسبحان من خص علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخصائص الإلهية ، فكل خير جاء بعد ذلك في الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين فهو ببركة تلك الفدية والمبيت على الفراش ، وحصلت لعلي عليه السلام فضيلة حفظ النبي (ص) والمشاركة في فوائد نبوته ورسالته وفي سعادة من اهتدى إلى يوم القيامة من أمته.
وهو أعجب من استسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليه السلام ، لأن إسماعيل استسلم الذبح لوالد شفيق كان يمكن أن ينظر الله إلى قلب والده فيعفيه من ذبحه كما جرى ، أو كان يجوز أن يموت أحدهما قبل ذبح إسماعيل ، أو كان يذبح بغير تألم إكراما لكون الذبح بأذنه على يد والد لولده ، وغير ذلك من أسباب تجويز السلامة إشفاقا من الله تعالى. وعلي بن أبي طالب عليه السلام استسلم للأعداء بعد وفاة والده أبي طالب وتفرق الأولياء ، فهل ترى كان يجوز