كتبهم إن الله كان يتولى تربيته وتأديبه وجبرئيل يلازم تهذيبه ، وإنه ما كانت له متابعة للجاهلية ولا رضي شيئا من أمورهم ، فكيف كذبوا أنفسهم في ذلك كله وفي مدح الله تعالى له ومدحهم له لأول أمره وآخره وظاهره وباطنه ، ثم مع هذا يشهدون عليه أن زيد بن عمر بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتم حفظا لجانب الله ، فكيف أقتدي أنا وغيري من العقلاء بقوم يروون مثل هذا ويصححونه ، ولقد سألت علماء أهل العترة من شيعتهم فرأيتهم ينكرون تصديق ذلك غاية الانكار.
ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث العشرين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : قال رسول الله " ص " لبلال في صلاة الغداة : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة ، قال بلال : ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كنت أقدر أن أصلي (١).
(قال عبد المحمود) : قد تعجبت من تصديقهم وتصحيحهم أن بلالا سبق رسول الله " ص " إلى الجنة ودخلها قبل أن يدخلها ، ما هذا إلا اختلاط شنيع واضطراب بديع ، فأين رواياتهم أنه أول داخل إلى الجنة وأول شافع ، وأنه لا يدخلها أحد إلا بإذنه أو جواز منه؟ فكيف استحسنوا أن يرووا هاهنا إنه ما كان علم من بلال إنه قد سبقه إلى الجنة حتى سمع خشفة نعليه؟ وليت شعري أي حاجة لبلال إلى تلك النعلين اللتين توجهت الإشارة إليهما حتى يلبسهما في الجنة. إن هذا من المحال الذي لا يخفى على أهل الكمال.
ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس من المتفق عليه من مسند حذيفة بن اليمان قال : كنت مع النبي " ص "
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩١٠ فضائل بلال.