وما ذاك؟ قلت : لعنتهما وسببتهما قال : أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاتا وأجرا (١).
(قال عبد المحمود) : اعتبروا رحمكم الله في هذا الحديث فإن فيه طرائف فمن طرائفه كونه يخالف كتابهم في وصف نبيهم بالرحمة والشفقة عليهم وأنه لعلى خلق عظيم ، وأنه ما فظا غليظ القلب ، فكيف جاز أن يصدقوا أو يصححوا يخالف كتابهم ويردوا على كتاب نبيهم بقول عائشة.
ومن طرائفه أن يكون لعن نبيهم وسبه مصلحة لمن يلعنه ويسبه وخيرا وزكاة ومعلوم أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فكيف قبلت عقولهم قول عائشة في ذلك ووصفوا نبيهم بهذه المقالات التي لا تليق به.
ومن طرائفه أنهم يشهدون لهما أنهما من المسلمين برواية عائشة ، وأنه يجوز مع ذلك أن يسبهما ويلعنهما وهذه أمور يستحي ذووا البصائر من تصحيحها عن أدنى العقلاء ، فكيف جاز أن ينسبوها إلى أكمل الأنبياء؟ لقد بلغ التعجب من هؤلاء القوم إلى أبعد الغايات ، ورحمتهم من شدة هذه الغفلات.
ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الرابع عشر من أفراد البخاري من مسند عبد الله بن عمر أنه كان يحدث عن رسول الله " ص " إنه لقي زيد بن عمر بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله " ص " فقدم إليه رسول الله سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، ثم قال : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه (٢).
(قال عبد المحمود) : انظروا رحمكم الله إلى هذه الرواية التي شهدوا بصحتها وأن نبيهم ممن يذبح على الأنصاب ويأكل منه ، وقد ذكروا في
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠٠٧ في كتاب البر والصلة.
(٢) رواه البخاري في صحيحه ٦ / ٢٢٥.