أغناه أبو بكر بماله ، وما استقبحوا لأنفسهم الرد على كتابهم ولا النقص لقرآنهم مع أن أصحاب التواريخ ذكروا أنه لم يكن لأبي بكر ثروة سالفة ولا رئاسة متقدمة ولا لأبيه ولا جده ، وأن محمدا " ص " نبيهم لم يزل قومه وجماعته أهل الثروة والرئاسة ، وأن محمدا " ص " لما كان بمكة كان له مع ماله ومال كفيله وعمه أبي طالب مال خديجة التي يضرب بكثرة مالها الأمثال ، ولما هاجر إلى المدينة فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أي الوقتين كان لأبي بكر مال يغنيه بماله.
ومن طريف ما يؤكد ذلك أن أباه أبا قحافة كان شديد الفقر حتى كان يؤجر نفسه للناس في أمور خسيسة ، فأين كان غناه وإيثاره مع سوء حال أبيه لولا البهتان الذي لا شبهة فيه.
فمن روايتهم في ذلك ما ذكره صاحب كتاب المثالب المنذر بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو من علمائهم فقال في الكتاب المذكور ما هذا لفظه : ومن كان ينادي على طعام ابن جذعان سفيان بن عبد الأسد المخزومي ولده بمكة ، وأبو قحافة عثمان ابن عامر بن سعد بن تيم ولده بالمدينة ، وفيه يقول أمية بن أبي الصلت في مرثية عبد الله بن جذعان :
له داع بمكة مشمعل |
|
وآخر فوق دارته ينادي |
إلى ردح من الشيزى عليها |
|
لباب البر على بالشهاد |
فالمشمعل سفيان بن عبد الأسد والآخر أبو قحافة. هذا آخر لفظه.
فهل ترى لأبي قحافة آثار غنى أو ثروة؟ فمن أين انتقل الغناء إلى أبي بكر حتى صار يغني رسول الله " ص " بماله؟ ليطعن بذلك على الله تعالى شأنه.
ومن الطريف طعن عبد الله بن عباس على قولهم في ذلك ما روي عنه في تفسير قوله تعالى " ووجدك عائلا فأغنى " قال ابن عباس : أغناه بأن جعل دعوته مستجابة ، فلو شاء أن يصير الجبال ذهبا لصارت بإذن الله ، فمن يكون