(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : يا عجبا من هؤلاء القوم تارة يقولون إن نبيهم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وتارة يقولون إنه يقول ويأمر تارة بوحي وتارة بغير وحي ، ثم وكيف يجوز أن يكون تدبير الجيوش بغير الوحي وهو يشتمل على سفك الدماء وتملك الأنفس والأموال وغير ذلك من الأحوال؟
ثم وإن كان فعل أسامة حجة على جواز مخالفة نبيهم فقد حكى في كلامه إن ذلك القول من أسامة كان في حياة نبيهم ، فإنه قال : لم أكن لأسأل عنك الركب فعلى قول أبي هاشم وأتباعه يجوز لهم مخالفة نبيهم في حياته وبعد وفاته ، فإذا صح لهم ذلك فقد عزلوا نبيهم عن نبوته وذهب حكم الإسلام بجملته ، وأين امتثال هؤلاء لما تضمنه كتابهم من الأوامر المطلقة كقوله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " (١) وقوله " واتبعوه " (٢) وقوله " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (٣).
فكيف استجاز أبو هاشم وأتباعه أن يتركوا هذه الأوامر وأمثالها؟ ويجعلوا فعل أسامة وأبي بكر وعمر حجة على جواز مخالفة نبيهم ، وهلا قالوا ما جازت لهم مخالفة نبيهم في حياته ولا بعد وفاته فيما أمرهم به كما يقتضي حق النبوة وأدب العارفين لحرمة الرسل ، فلو كان ملكا من الملوك أو رجلا محترما عند أصحابه ما استحسن أحد منهم إن كانوا من أهل الوفاء أن ينقضوا وصيته بتلك السرعة ويفسدوا إصلاح الأمة ويهدموا ما بناه لهم من تدبيره ، بل كان يجب أن يقتدوا بمشورته ويتبركوا بشريعة نبوته ويغتنموا ذلك الرأي الذي يذكرون أنه صدر عن أعظم النبي المؤيد بالألطاف والوحي والاتصال بالعناية الإلهية والاطلاع
__________________
(١) النساء : ٥٩.
(٢) الأعراف : ١٥٨.
(٣) الحشر : ٧.