عن ربع الثمن أو ثلثه ثلاثة وثمانين ألف دينار (١).
فهل يقبل العقل أن رجلا من الرعايا من عرض المسلمين يدعي له عاقل زهدا أو ورعا أو صلاحا وقد خلف تركة يبلغ ربع ثمنها ثلاثة وثمانون ألف دينار ، أين هذا من شمائل الزهاد والأخيار من هذا الاحتكار للدنيا والبخل بها والجمع لها والمنافسة فيها ، أما لهؤلاء عقل ينفعهم أو دين يردعهم عن هذه المناقضات المتراكمة والروايات المتضادة.
ومن طرائف صحيح ما شهد به العقلاء على نقص عبد الرحمن وذموه بذلك ما ذكره الغزالي الذي يذكرون أنه حجة الإسلام في كتابه المسمى بإحياء علوم الدين في المجلد الثاني من المهلكات في كتاب ذم البخل وذم حب الدنيا إن عبد الرحمن أثنى عليه كعب الأحبار فبلغ ذلك أبا ذر ـ الذي قال فيه نبيهم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا خلاف بين المسلمين في صلاح أبي ذر ـ قال : فغضب أبو ذر من ذلك وأخذ عظما وتبع كعب الأحبار ليعزره ويؤدبه على شكره عبد الرحمن ، ولم ينكر على أبي ذر أحد في ذلك ، فصار كالإجماع من المسلمين على ذم عبد الرحمن وذم من يمدحه(٢).
ومن طريف ما يدل على اختلاط عبد الرحمن أو تعمده لترك الصواب ما أحدثه في الشورى من قبيح الأسباب ، فمن ذلك أنه بنى الأمر على أن يخلع أحد الستة الأنفس نفسه من الخلافة ويختار خليفة وألجأهم هو وأتباعه على ذلك ، وما كان ذلك إنصافا ولا حقا ولا عدلا ، لأنه يمكن أن يكون فيهم من يعتقد أنه لا يقوم أحد مقامه في الخلافة بل قد كان فيهم من يعتقد ذلك ، فما كان يجوز لذلك أن يخلع نفسه ويختار غيره ، وما جاز لعبد الرحمن أن يكلفهم ذلك ولا يلزمهم أبدا
__________________
(١) الإستيعاب : ٢ / ٣٩٦ هامش الإصابة.
(٢) إحياء علوم الدين : ٣ / ٢٦٦.