أن تفعل كذا ، ثم قال (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي أوصى (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
والوجه الأخر : أن يريد الإغراء ، كما تقول : عليك زيداً وعليك كذا إذا أمرت بأخذه والبدار اليه.
ولم يبق بعد هذا السؤال (١) واحد ، وهو أن يقال : كيف يجوز أن يقول تعالى (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ثم يأتي بذكر أشياء غير محرمات ، حتى يقدروا لها الوصية والأمر. وصدر الكلام يقتضي أن الذي يأتي من بعد لا يكون الا محرماً ألا ترى أن القائل إذا قال : أتل عليك ما وهبته لك كذا وكذا ، لا بد أن يكون ما بعده ويذكره من الموهوبات ، والا خرج الكلام من الصحة.
والجواب عن ذلك : أن التحريم لما كان إيجاباً وإلزاماً أتى ما بعده من المذكورات على المعنى دون اللفظ بذكر الأمور الواجبات والمأمورات ، للاشتراك في المعنى. وأيضاً فان في الإيجاب والإلزام تجري (٢). ألا ترى ان الواجب محرم الترك ، وكل شيء ذكر لفظ التحريم على بعض الوجوه تحريم.
فان قيل : ألا حملتم الآية على ما حملها قوم من أن لفظة «لا» زائدة في قوله تعالى (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) واستشهدوا على زيادة «لا» بقوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) أي أن تسجد ، قال الشاعر :
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي |
|
ويزعمن أن أؤدي بحقي باطل |
ويلجئني في اللهو أن لا أحبه |
|
وللهو داع دائب غير غافل |
قلنا قد أنكر كثير من أهل العربية زيادة «لا» في مثل هذا الموضع وضعفوه وحملوا قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٣) على أنه خارج على المعنى ، والمراد
__________________
(١) ظ : إلا سؤال.
(٢) ظ : تحريم.
(٣) سورة الأعراف : ١٢.